×
محافظة الحائط

العاقل الوحيد في عالم كل من فيه مجنون أنا إن نجحت في اتّباع النصائح التي أوصت بها الدراسة، وهذا مستحيل، سأكون العاقل الوحيد في عالم كل من فيه مجنون.

صورة الخبر

إن كان ما يقوله العلم صحيحًا، فإن مصير 99.99 في المئة من البشر الجنون. ولأنني واحد من بين ملايين القلقين، إلى حد المرض، على قدراتهم الذهنية ويخشون ضعف الذاكرة أو فقدانها، أتابع بلهفة كل ما يُنشر حول هذا الموضوع، تجذبني نصائح للحفاظ على الوظائف العقلية وحماية الذاكرة من التدهور. آخر ما لفت انتباهي مقال نشرته دورية علمية مختصة بطب الأعصاب، لا يمكن التشكيك بمصداقيتها، تضمنت قائمة من النصائح لا بد من الالتزام بها للحفاظ على صحتنا العقلية. أول هذه النصائح أخذ قسط وافر من النوم وتجنب الأرق والحصول على بعض الوقت للقيلولة، وتلافي العزلة الاجتماعية، حتى لا نقع ضحايا لمشاعر الوحدة، وما قد ينجم عنها من مشاكل اجتماعية ونفسية تؤثر على سلامة العقل. تمضي الدراسة لتحذرنا من قائمة طويلة من الأطعمة المصنعة والمشروبات، وتحثنا على تناول وجبات صحية غنية بالفيتامينات والمكملات الغذائية، وممارسة التدريبات الرياضية للحفاظ على صحة الجسم، عملا بالقول “الجسم السليم في العقل السليم.” وتجنب ما استطعنا العلاقات مع أشخاص سلبيين، والحفاظ على علاقات مع أصدقاء يمنحوننا طاقة إيجابية. ويرى المشرفون على الدراسة ضرورة تجنب الصدمات قدر المستطاع. ولا تنسى الدراسة تقديم نصائح متعلقة بارتداء أحزمة الأمان في السيارة، وخوذ الرأس عند ركوب الدراجة النارية أو الهوائية، وتجنب السقوط والاهتمام بمعرفة المخاطر المهنية وتلافيها قدر المستطاع. ولا بد أيضًا من الاهتمام بضغط الدم، والحرص على عدم ارتفاعه أو هبوطه ومتابعته باستمرار من قبل أطباء مختصين. وما ينطبق على الضغط ينطبق على مستوى السكر في الدم والكولسترول، والتحقق من عدم وجود أيّ أمراض وراثية قد تؤثر على قدراتنا الذهنية مستقبلاً. وتحذر الدراسة من خطورة العدوى بالأمراض المختلفة، فتأثيرها على الصحة العقلية مدمر، وينصح بالسعي لعلاج أيّ مرض أو عدوى يتعرض لها الجسم دون إهمال، وتناول اللقاحات المتاحة لتقليل احتمالات الإصابة بالأمراض المعدية، والابتعاد عن مصادر التلوث، سواء تلوث الهواء أو تلوث المياه. وينصح معدو الدراسة بتجنب الضوضاء على اختلاف أنواعها ومصادرها، لأن التعرض للضوضاء يؤثر على سلامة العقل على المدى الطويل. ولا حاجة للتذكير بشرّ العيوب، وهو التدخين، وصنوه الإفراط في تناول الكحول، أو تناول الأدوية دون نصيحة الطبيب. كل هذا والنصائح لم تنته بعد.. ظلت الدراسة تعدد المحاذير، وتقدم النصيحة تلو النصيحة حتى ظننت أنها ستأمرنا ببناء قفص زجاجي نقفل على أنفسنا داخله. في ضوء الدراسة العلمية، التي لا يشك أحد بمصداقيتها، حسمت أمري، وتوكلت على الله، وقررت أن أفضل حل هو التوقف عن قراءة ما يقدم من نصائح، فهي عادة مذمومة، أضعت بسببها الكثير من الوقت، وأنفقت الكثير من المال. أخيرًا، اقتنعت أن أفضل ما يمكن فعله هو أن أضرب عرض الحائط بكل هذه التحذيرات، وأفعل ما فعله بطل مسرحية “نهر الجنون”. فأنا إن نجحت في اتّباع النصائح التي أوصت بها الدراسة، وهذا مستحيل، سأكون العاقل الوحيد في عالم كل من فيه مجنون.