أعتقد أنه ليس بإمكان أي عاقل أو منصف إنكار أن التوظيف يستهلك أكثر من ثلاثة أرباع الدخل الوطني، وبالضبط 15 ملياراً من أصل 18، في حين أن هذا التوظيف ذاته لا يشكل دخلاً للدولة، فلا إنتاج حقيقياً يتحصل منه ولا ضرائب تُستوفى من المنضوين تحته. أي أنه تقريباً هدر لا مبرر له لموارد الدولة. لذلك، فإنه من الملح ضبط هذا التوظيف وكبح استهلاكه الشره للموارد الوطنية. وأعتقد أن أي محاولة لضبط الميزانية أو لتقليل الإنفاق العام، أي محاولة لا تضع مسألة التوظيف كالمعضلة الأولى والهادر الأكبر للثروة الوطنية، لن تجدي نفعاً وما هي إلا مضيعة للوقت أو في الغالب والأصح هروب من مواجهة نتائج تصحيح مسار التوظيف. إن سياسة الإحلال، أي إحلال المواطن الكويتي مكان الوافد غير الكويتي، هي بداية على الطريق الصحيح. وإذا كانت في السابق تسمى «تكويتاً» فإنها اليوم تسمى «إحلالاً»... لكن النتيجة واحدة وهي وضع الكويتي محل الوافد. سياسة التكويت السابقة كانت للتنفيع، تحت شعار تأمين السلامة الوطنية، ووضع أبناء البلد في المواقع القيادية، لكن هدفها الحقيقي كان استمالة المواطن وكسب ولاء بعض النواب. اليوم الدولة تضطر إلى ممارسة أو العودة إلى هذه السياسة ولكن بدوافع أقوى وأنبل... وهي مواجهة العجز في الميزانية وضبط الهدر الذي يخلفه التوظيف العشوائي وغير الضروري للوظائف الحكومية. لهذا فإن الإحلال يجب أن ينصب على الوظائف الدنيا، أو الوظائف الصعبة بدلاً من رئاسة الأقسام أو إدارة الدوائر التي استهدفتها سياسة التكويت التنفيعية. ليس من المعقول ولا حتى المقبول أننا، بعد أكثر من نصف قرن من إنشاء جامعة الكويت ومعهد المعلمين، ليس من المقبول أننا لا نزال نستورد معلمي اللغات والعلوم. وليس من المقبول أننا وقد ابتلينا بما يسمى الصحوة الدينية والتدين المتزمت الذي أغرمت به حكوماتنا السابقة، ليس من المعقول بعد كل هذا أننا نستورد الأئمة والمؤذنين. إن سياسة الإحلال بحاجة إلى سياسة حازمة وقرارات جريئة تتخطى الالتزامات العبثية للدولة والعلاقات غير الصحية التي بنتها الدولة مع المواطنين. باختصار آن أوان فطم المواطن الكويتي، وآن أوان أن يجد بديلاً عن ضرع الدولة المجاني لإشباع احتياجاته.