أضاءت الأرقام الشاشة، وحل صمت في أرجاء الغرفة قبل أن تنحل الألسن معبرة عن دهشتها. لقد فعلتها نفيديا مرة أخرى، في غضون ثلاثة أشهر فقط، ارتفعت إيراداتها 94 % مقارنة بالعام السابق، في حين ارتفعت الأرباح 106 %. لم يكن هذا مجرد تقرير أرباح كغيره، لكنه تحول مزلزل، فهي شهادة على الطلب التقني المتعطش للتقنية التي تستمر في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي. ورغم أن هذه الأرقام التي لا يمكن إنكارها، لا يزال الشك في الذكاء الاصطناعي منتشرا. يحذر النقاد من الضجة التي لا تعكس الواقع، مجادلين أن الذكاء الاصطناعي فقاعة لا بد وأن تنفجر. لكن أداء نفيديا ليس معلما ماليا حققته الشركة، إنما قوة ضاغطة لها هدير يصم الآذان، قوة تحول الصناعات، وتخلق الفرص، وتحل المشكلات المعقدة على نطاق غير مسبوق. قبل صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المشهد كان الذكاء الاصطناعي يحقق نجاحات كبيرة. ففي مجال الرعاية الصحية، أحدثت أنظمة الذكاء الاصطناعي ثورة في التشخيص، وتحديد أمراض مثل السرطان واعتلال الشبكية بدقة تنافس أفضل المتخصصين. وخلال وباء كوفيد، كان للذكاء الاصطناعي دور فعال في تحليل كميات هائلة من البيانات الوراثية لتطوير اللقاحات في وقت قياسي. وفي مجال الخدمات اللوجستية، استخدمت شركات مثل أمازون الذكاء الاصطناعي لتحسين سلاسل التوريد، وخفض التكاليف بنسب غير مسبوقة. حتى في الزراعة، استفاد المزارعون من أدوات تعتمد الذكاء الاصطناعي لمراقبة صحة التربة والتنبؤ بالمحاصيل، مما يعزز الأمن الغذائي في المناطق المهددة بالجفاف والقحط. لكن ليس كل المشككين سواء، العديد من المخاوف ليست مبررة فحسب، بل ضرورية لتوجيه الابتكار في الاتجاه الصحيح. يحذر النقاد من الضجيج الذي لا شك أنه موجود وسيأتي معه هدر كبير، ولهم في رأيهم هذا أمثلة سابقة من ازدهارات وهمية انهارت بعدها التوقعات المتضخمة تحت وطأة الواقع. المخاطر تبدو حقيقية، منها ما يتعلق بتركيز السلطة في عدد قليل من الشركات التي منها نفيديا اليوم، ومنها المعضلات الأخلاقية للخوارزميات التي لم تخضع للرقابة أو المراجعة، إضافة إلى إدارة التغيير اجتماعيا في تحولنا إلى عصر من الأتمتة أسرع من قدرتنا على التكيف. في مؤتمر للذكاء الاصطناعي عقد مؤخرا، شارك باحث قصة قرية نائية في الهند، استخدم فيها المزارعون أدوات تدرس بالذكاء الاصطناعي حركة الرياح الموسمية لتحسين جداول الزراعة. وصف أحد المزارعين بعد أن كافحت عائلته مع غلة غير مستقرة لعقود، حيث ازدهرت محاصيله لأول مرة: "يبدو الأمر كما لو أن الطقس يتحدث إلينا الآن". بين الشك واليقين توجد منطقة لا بد من الوقوف عندها. تعبر هذه الحكاية في نهاية المطاف، أن الأمر ليس آلات تحل محل البشر فقط، لكنها آلات تمكنهم وتصنع لهم مستقبلا مختلفا. ربما يذكرنا المتشككون بالمضي قدما بحذر، لكن قصصا كهذه تذكرنا لماذا يجب أن نتقدم أساسا.