باغتتني مبادرة الدكتور محمد عبدالله العلي رئيس مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات بتكريم مؤسسة “العرب” عبر منحي “ميدالية تريندز الإعلامية”. علاقتي بالدكتور العلي تمتد لأكثر من عشرين عاما. فالرجل من أكثر من التقيت بهم ممن لديهم القدرة على الرصد الإعلامي. وأعتقد أنه من المتميزين -على مستوى العالم العربي- في العمل في هذا التخصص الإعلامي المهم والذي أخذه خطوة أبعد في مشروعه الرائد في دولة الإمارات ليتحول من عملية الرصد والتسجيل لما يدور في الإعلام، إلى الاستفادة من معلومة الرصد وتحويلها إلى مفردة معرفية في بحوث مركزه الذي يديره، وفي طبيعة الاستشارات التي يقدمها المركز إلى المؤسسات الإماراتية والخليجية الخاصة والحكومية. لا أخفي أني فرحت بالتكريم والميدالية. الإعلاميون في عالمنا يتحاسدون وينتقدون كثيرا، ونادرا ما ترى منهم من يشيد بجهود آخر، والأندر من ذلك أن يسعى إلى تكريمه. هذا توجه نفتقده عموما في عالمنا العربي. ولا أبالغ إن قلت إننا في حاجة إليه. فالبيئة الإعلامية متوترة، إذا شئنا توصيفا مخففا، ومسمومة، إذا أردنا الإفصاح أكثر. فعلى مدى سنوات طويلة، كان الكتاب والصحافيون يناورون ويخاتلون في محاولة إخفاء حقيقة العداوات السائدة. قد تكون ظروف منطقتنا استثنائية، لكن هذا لا يبرر ما يحدث الآن للبيئة البحثية والإعلامية. وإذا كانت للفضائيات -وخصوصا الإعلامية منها- ميزة فهي أنها أسقطت آلهة الإعلام من عليائها، عندما وجدنا إعلاميينا، مثلهم مثل آلهة الإغريق والرومان، يتصارعون ويتشاتمون، بل ويضرب بعضهم بعضا على الهواء مباشرة. لعل هذا النمط من التفكير هو الذي يوجه واقعنا الإعلامي إلى ما هو عليه، ويجعل من انعدام الموضوعية أسلوبا وطريقة. ربما التقيت بالدكتور العلي مرة أو مرتين في معارض الكتاب في دولة الإمارات خلال السنوات الماضية. لكني متابع ومهتم بما حققه مركزه منذ انطلاقته. وأحدس أنه كان حريصا على عدم تكرار أخطاء الآخرين. وبحكم مهمته كراصد إعلامي، لم يكتف برصد الخبر، بل رصَد الأشخاص أيضا. وبعين ذكية، وظف تجربته في بناء مؤسسة بحثية إيجابية، يمكن للمراقبين رصد ديناميكيتها بعيدا عن الجمود الذي سرعان ما يصيب المؤسسات البحثية. وبدلا من اتباع سياسة “تجميع” الدراسات من محترفي كتابة الدراسات، عمد “تريندز” إلى اتباع سياسة الصبر وتحقيق التراكم المعرفي وبعد ذلك التمعن في موضوع البحث وتحليله ومحاولة الوصول إلى نتائج مفيدة لمن يتابع أعمال المؤسسات الحكومية والخاصة. إنه توجه مهم ينطلق من طبيعة مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية متغيرة، ثم اجتراح حلول لها وتقديم إجابات عن الاستشارات. فلننظر إلى الكثير من المراكز البحثية التي تملأ المشهد الأكاديمي أو شبه الأكاديمي، لنجد المبالغة المفرطة في تقديم المعلومات المستنسخة من بحوث تتطرق إلى مسائل شبيهة بمشكلاتنا، والإمعان في الإسقاطات غير الموفقة بين عالمنا والعوالم التي كتبت من أجلها تلك البحوث. شكرا لـ”تريندز” وشكرا للدكتور محمد عبدالله العلي؛ شكرا عاما من منتسبي مؤسسة “العرب” بتفرعات منصات النشر فيها المتعددة والمتنوعة، وشكرا خاصّا مني.