×
محافظة العديد

القوارير المكسورة في القطاع الصحي - د.حادي العنزي

صورة الخبر

مؤلم ومحزن، جداً تلك المقاطع التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي؛ لمجموعةٍ من الممرضات، وهُن يقمن بممارسات غير مقبولة مع المرضى كبار السن، وطبيبة أخرى تتحدث مع مُذيعة -على شاكلتها- بعبارات خدشت مسامعنا، وأعمت أعيننا بحركاتِ أصابعها الخمس، وهي تصف لنا «الفلفل الحار والبارد» وكأنها في حلقةِ خُضار تُديرها عمالة مُخالفة غابت عن أعين الرقيب! تلك المشاهد السلبية بدأت تتنامى في وسائل الإعلام، ويظهر تصويرها من داخل العيادات الطبية، وهي بالتأكيد مخالفات قبل أن تكون مهنية، والمؤسف أنها تظهر من (بعض) العاملين والعاملات في القطاع الصحي، الذين أصبحوا بهذه الأفعال مشاهير و(ترندات) في الممارسات غير المسؤولة، بدءًا من استعراض أكواب القهوة ومروراً بالألوان الزاهية وصولاً إلى الكحل الثقيل مع أحمر الشفاه اللامع! هذه الأفعال تؤكد أن اللون الأبيض رمز النقاء والنظافة والمهنية في المجال الطبي؛ أصبح يرتديه بعض الممارسون ممن هم أقل كفاءةً من الطموح العام ودون المستوى المطلوب، وأنهم غير مؤهلين لتقديم الرعاية الصحية بمفاهيمها الإنسانية وينقصهم التعليم قبل التدريب! هذه الممارسات تشوه صورة ومكانة الممارس الصحي في المملكة العربية السعودية، خاصة بعد الإنجازات التي حققتها المملكة في المجال الطبي في السنوات الأخيرة بعد الامتثال لرؤية المملكة المستقبلية، حيث تحسن تصنيف المملكة عالمياً، وأصبحت بالمرتبة (34) في جودة الرعاية الصحية، مما يعكس التحسينات المستمرة في توفير الخدمات الطبية. كما تصدرت المملكة قائمة الدول في منطقة الشرق الأوسط من حيث الإنفاق على الصحة، حيث بلغ الإنفاق الصحي حوالي 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يُعزز قدرة النظام الصحي على تقديم خدمات عالية الجودة، وزادت نسبة الوصول إلى هذه الخدمات إلى 95 % في المناطق الريفية والحضرية. كما تُعد المملكة واحدة من الدول الرائدة في برامج التطعيم، فقد حققت 98 % من تغطية التطعيمات للأطفال، مما يسهم في تقليل الأمراض المعدية، وهي تأتي في مقدمة الدول في استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال الرعاية الصحية، حيث تم إدخال نظم إدارة المعلومات الصحية في العديد من المستشفيات. كما تم تحسين خدمات الدعم النفسي، مما جعل المملكة تحتل مرتبة متقدمة في توفير خدمات الصحة النفسية بالمقارنة مع الدول الأخرى. كل هذه الإنجازات وغيرها تؤكد أن القطاع الصحي في المملكة نما نمواً مُزدهراً في معظم الجوانب، وأننا سائرون على الطريق الصحيح، وذلك يتطلب وقتاً يسيراً لتثبيت رفاهية الخدمة الصحية بالشكل الذي نأمل أن تكون عليه الخدمة مقارنة بإمكاناتنا وبالدعم الذي يجده هذه القطاع من الدولة.. إلا أننا مازلنا أمام تحدي المهنية والاحترافية عند (بعض) الكوادر البشرية، وهذا يحتاج إلى نظرة عميقة في بعض الكوادر العاملة في هذا القطاع، والتي تعمل على تشويه الإنجازات الصحية في وسائل التواصل الاجتماعي، ويقتلون (مُتعة) الفخر بالمنجز الطبي الحالي في بلادنا. مثل تلك التصرفات من ممارسين يقدمون أعمالا وخدمات إنسانية، تستوجب - برأيي- إعادة النظر وبعمق في ثقافة العمل بالقطاع الصحي بصفة عامة، وكذلك الوضع الحالي للممارسين الصحيين وبمختلف مستوياتهم ودرجاتهم الوظيفية، وذلك من خلال تعزيز الأخلاقيات المهنية في مكان العمل، وإلزامهم بدورات متخصصة في الأخلاقيات المهنية والسلوكيات الإنسانية، وتكون هذه الدورات جزءاً أساسياً من المنهج التعليمي؛ لضمان تزويد الطلاب ومنسوبي الصحة بالمعرفة اللازمة للتعامل مع المرضى بشكلٍ مثالي، مع وضع معايير واضحة للسلوك المهني في جميع المنشآت الصحية، تشمل سياسات مكتوبة تشرح بوضوح التصرفات المقبولة وغير المقبولة، و تُطبق الأنظمة والقوانين بحزم على كافة العاملين. كما يجب الاستمرار في تكثيف برامج تعليم مهارات التواصل الفعّال والتعاطف مع المراجعين، وكذلك تشجيع المرضى وأسرهم أكثر على حرية التعبير عن تجاربهم وملاحظاتهم حول الرعاية التي يتلقونها، والعمل على تقوية ثقافة الاحترام والتعاطف في جميع المنشآت الصحية، ويمكن أن تشمل هذه الجهود حملات توعية وورش عمل تُعزز من قيمة الإنسانية في الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تكثيف آليات التبليغ والمراقبة مع ضمان حماية المُبلغين من أي تداعيات سلبية، والتعامل مع البلاغات بجدية وأن تُجرى تحقيقات شفافة ومناسبة، يعرف نتائجها المُبلغ أو المتضرر. إن التصرفات السلبية الحالية لبعض الممرضين والأطباء تُشكل تحدياً حقيقياً للقطاع الصحي؛ فهي تُقوض الإنجازات وتؤثر سلباً على الثقة بالممارسين الصحيين على المدى البعيد، وهذا تحد كبير أمام القطاع الصحي يتوجب سرعة العمل على زيادة جرعات التوعية للأطباء والممرضين، وإصدار سياسات وقرارات تكون أكثر حزماً في ردع المخالفين، بالإضافة إلى نشر الوعي العام والتأكيد على أن تحسين السلوكيات المهنية يتطلب جهوداً تشاركية جماعية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، والمنشآت الصحية، والمجتمع ككل.