اليوم الأربعاء كعادة أم فهد في منتصف الصباح تأتي لبيتنا حاملة على رأسها ما كلفتها به والدتي من تموين أسبوعي، فسوق الأربعاء الشعبي والموجود في مدينتنا المبرز يشهد كل أسبوع مهرجانا تسويقيا شعبيا، الجميع يفترشون موقعه المتميز كونه يتمترس وسط المدينة فارشا «المداد» من قبل الباعة أكانوا رجالاً أم نساء تظللهم «العماريات المصنوعة من جريد النخيل والمكسوة «بالخيش» الذي يتم استخدامه من بقايا خيش» أكياس الأرز ومع التطور باتت تصل إلى الأحساء رولات الخيش القادمة من الهند عبر ميناء العقير، فكان الموقع ومنذ وجدت المدينة لا بد من التردد عليه كل أسبوع من قبل سكانها وحتى المتسوقين من البلدات المنتشرة في «اللواحة». وحتى القادمين من الهجر في الماضي من أهلنا البدو فهم يترددون عليه وعلى سوق الخميس أيضا، حاملين منتجاتهم المطلوبة لعشاقها من أهل المدينة وغيرهم، فما يعرضونه من سمن وأقط وكذلك قطع السدو وكرات الصوف وكل ما تنتجه زوجاتهم وبناتهم من أعمالهن اليدوية، وبعد بيع هذه المنتجات يشترون ما هم بحاجة إليه، إذا كان في هذا السوق أم من سوق «القيصرية» المجاورة بعد بيع ما عرضوه في هذا الكرنفال الشعبي وما يحتاجونه من السوق وفي عروض تنافسية وأسعار متواضعة في متناول الجميع وبعد ما ألقت علي والدتي السلام وضعت القفة من على رأسها وبدأ واضحا أن داخل القفة ديك جميل، فردت والدتي عليها السلام ورحبت بها وامتدت يدها للديك وأخرجته من القفة خلال ما كانت أم فهد تشرب «كأس» ماء من «الحب» الموجود في رواق البيت ولما لمست عرف الديك الجميل امتدت يدها لترفعه من داخل «القفة» وإذا بها تنادي على أم فهد معقولة شاريه لنا ديك رجله ناقصة، ثم أردفت قائلة بامتعاض: الله يهديك، ما أصدق أنك ما طالعتيه زين ولا خدعك اللي باعه ووضعه بسرعة دون ما تتفحصينه، فردت عليها في ضيق.. لست ملامة على شرائه. فلقد أوضحت البائعة لي أن صاحبته أخبرتها أنه تعرض لكسر رجله اليمين عندما قفز هاربا من حية «بو نداس» اللعينة وسقط على حافة مشرب ماء الغنم والدجاج عندها عرضته علي لبيعه بأي ثمن والحمد لله اشتريته بـ3 ريالات، قلت: على الأقل مناسب تسوينه لأبيكم لما يحب يوم الخميس كبسة ديك تجنن وتحشين بطنه بالبيض. عاد يقولون ومن قديم: إن لحم الديوك أفضل من لحم الدجاج، الديوك فيها قوة حتى لحمه يصفونه للعريس، فتضاحكتا عندها تركت المجلة التي كنت أقرأ فيها ووضعتها جانبا وأمسكت بالديك من يد أم فهد ورحت أتفحص ساقه وكنت أيامها طالبا في الابتدائية السنة السادسة وبالتالي من خلال حصص العلوم كنا ندرس ونتعلم الإسعافات الأولية، فألتفت لوالدتي وقلت لها: اطمئني سوف أجعله يمشي بإذن الله، لكنه لن يطير أو يقفز سوف أعمل له جبيرة وألفه بقماشة ولو قطعة من ملفع قديم ويقدر بعدها يتحرك فراحت أم فهد «تخزني خزا» وقالت: يا ولدي خلينا نشوف، فقاطعتها قائلا: أحتاج لرجل دجاجة، أو ديك بسرعة أذهبي للقصابية قبل صلاة الظهر وشوفي اللي يبيعون الدجاج وأطلبي منهم رجل واحدة. ولا تنسين الرجل يمين. وكررت يمين.. لم تكن القصابية بعيدة عن البيت، تحتاج للوصول إليها نصف ساعة ذهابا وإيابا خاصة وأن أمهد في عز شبابها تلك الأيام. هزت رأسها بالموافقة وتوجهت نحو باب الخروج وأحسنت وضع نقابها. وخرجت، أرجعت والدتي رأسها إلى الوراء مستندة إلى مسند جلسة الرواق وقالت: ما يهم أنه يطير المهم أنه يونس دجاجاتنا. وجوده وصياحه في الفجر وحركته ورؤية عرفه الجميل.. وأضافت أمل أن تكون قادرا فعلا على عمل ذلك، فنظرت إليها باسما وقلت لا تقلقي. ولا تنسين مجلة طبيبك فيها رسوم وصور إرشادية وتعليمية عن الصحة والإسعافات.. وما هي إلا أقل من نصف ساعة وإذا بأم فهد تقرع الباب وتدخل حاملة قفتها وبحركة سريعة وضعتها وأخرجت دجاجة ولكنها «ميتة» فعلت وجهانا الوالدة وأنا علامات الدهشة. وبصوت واحد «جايبه» لنا ميتة. فقلت معقبا: طلبت رجل يمين ما طلبت دجاجة ميتة فردت علي: جميع اللي يبيعون الدجاج والديوك ما عندهم أرجل. لكن واحد بن حلال قال خذي هذ الميتة وتصرفي بها. ردت والدتي تصرف معقول ومقبول. وأضافت بسرعة اقطعي رجلها اليمين وعطي «المجبر» نشوف نتيجة اقتراحه. وما هي إلا لحظات وعادت من المطبخ حاملة رجل الدجاجة اليمين وبدأت في تركيبها بعدما تذكرت أن في دولاب الرواق غراء أمريكي وكنت قمت بقطع أربع قطع من علاق ملابس. وثبتهم على ما تبقى من ساق الديك وساق رجل الدجاجة مع أصابعها وربطتهم بلفافة من «الملفع» وما هي إلا لحظات وإذا بالديك ينطلق وثابا في «حوي» البيت وسط دهشتنا نحن الثلاثة..