×
محافظة الخفجي

لمحة عن قضية المياه والأمن المائي في الدول العربية

صورة الخبر

مقدمة: قال الله في محكم التنزيل “وجعلنا من الماء كل شيء حي” فأهمية نعمة المياه وقضاياها تدخل باختصار شديد في كل شيء، كما ورد في بلاغة الآية، فالماء ثروة نفيسة حبانا الله إياها، وسر هذه الحياة وإكسيرها السحري، ولذا يجب المحافظة على الماء من منطلق ديني وإنساني و وطني، لأن نقص الماء أو زيادته أحيانا يتسبب بعدة مآسي وأضرار، فبعد إرادة الله، تحدث الكوارث الإنسانية والبيئية بسبب الجفاف أو الفيضانات، ولذا تأتي الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتوفير الحماية للبشر والبيئة فتقلل الخسائر أوتمنعها في أغلب الأحيان. ومع أن المياه أكثر مايغطي قشرة الأرض بحوالي 71% وهي النسبة التي تشكل المحيطات والبحار، إلا أن تلك الكميات الهائلة لاتحوي من المياه العذبة سوى 2.75% من إجمالي كمية الماء في أرضنا!!! حيث أن النسبة المتبقية من النسبة الكلية للمياه في كوكبنا وهي تقريبا (97.25%) تمثل المياه شديدة الملوحة في البحار والمحيطات الخمسة، فالمعضلة المائية البيئية هي أن الجزء الكبير من المياه العذبة الشحيحة أصلا تُشكل الأغطية والأنهار الجليدية بنسبةٍ تقارب 2.05 من كمية المياه بالأرض، ولذلك نحن البشر نستطيع الوصول حاليا لنسبة 0.7% فقط من كمية المياه العذبة في الأرض وهذه النسبة تغطي كميات المياه الجوفية والمياه السطحية كالبحيرات والمستنقعات والأنهار. وهناك دراسات علمية تبين أن المياه الجارية (المياه السطحية) في الوطن العربي تشكل تقريبا نسبةَ 1% من إجمالي المياه الجارية في العالم قاطبة! كما أن هناك التقارير تشير إلى أن نسبة تساقط الأمطار على المنطقة العربية، لا تتجاوز 2 % من المعدل العالمي، وهنا تكمن مشكلة شح وقلة كمية الماء العذب والصالح للاستخدام الآدمي وتوزيعه في أرجاء المعمورة وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تقع ضمن حزام الاراضي الجافة، وعادة ما يرمز لهما في الدراسات الأكاديمية بـمسمى (MENA Region Middle East & North of Africa ( والتي يشكل معظمها دول العالم العربي الكبير الذي تغطي تقريبا 87% من مساحته الصحاري القاحلة، فهنالك 12 دولة عربية تصنف ضمن نطاق الفقر المائي الشديد بل إن حصة المياه السنوية للفرد بتلك الدول أقل من 500 متر مكعب وهذه الحصة تعتبر دون حد الفقر المائي الحاد البالغ ألف متر مكعب سنويا للفرد، كما أن أكثر من 60% من المياه الجارية في العالم العربي تدخل كمياه عابرة من خارج الدول العربية فهي دول مصب وليست دول منبع كمياه نهر النيل والفرات ودجلة. وحاليا هناك مايقارب 50 مليون شخص في المنطقة العربية يعاني من الحصول على مياه الشرب حسب تقارير هيئة الأمم المتحدة. وبهذه الحقائق وفي ظل تزايد الطلب على المياه بسبب التوسع العمراني والتطور الصناعي والزراعي والمرتبط بالزيادة الدغمرافية تتضح لنا خطورة وضع المياه في المنطقة العربية، لاسيما أن الطلب على المياه الصحية النقية يتزايد بوتيرة سريعة، في ظل تفاقم الكثير من التحديات المتعلقة بالبيئة وتغير المناخ من جهة، وبحوكمة موارد المياه المشتركة بيننا وبين الدول المجاورة من جهة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية القرن الواحد والعشرين وأزمة المياه تعد من كبرى القضايا البيئية التي نواجهها في هذا القرن ليس من ناحية الكمية فقط بل من ناحية الجودة أيضاً مع وجود تداخلٍ كبير لعدة أبعادٍ سياسية واجتماعية واقتصادية. وقد بدأ الاهتمام المؤسسي والمنظم عالميا بشأن المياه من خلال منظمة الأمم المتحدة عندما قررت بتارخ 1992/9/22 م أن يكون يوم 22 آذار/مارس من كل سنة ميلادية هو “اليوم العالمي للمياه” كنتيجة للتوصية المقدمة في قمة ريو أو ماعرف بقمة الأرض من أجل البيئة والتنمية المستدامة المنعقدة في البرازيل في يونيو 1992م. فمنذ عام 1993م ومنظمة الأمم المتحدة تحتفل ويُحتفى بهذا اليوم للتوعية بأهمية دور المياه في حياة الناس ولنشر المعلومات المتصلة بصون الموارد المائية والدعوة إلى الإدارة المستدامة لها. وأيضا نجد أن من اهتمام المجتمع الدولي بالمياه مبادرة العقد الدولي للعمل “الماء من أجل الحياه” والذي بدأ عام 2005م وتم الاحتفال به في اليوم العالمي للمياه في تلك السنة، و قد أعلن رسميا عن ذلك العقد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2003م ويهدف إلى تعزيز الجهود الرامية إلى الوفاء بالالتزامات الدولية المتصلة بالمياه إلى عام 2015م، وأيضا إلى المساهمة في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة التي تحل وتناقش المشاكل والقضايا المائية. المقال الثاني جهود المملكة في إدارة المياه (أكبر دولة في تحلية المياه المالحة بالعالم) تميزت المملكة على المستوى الدولي بالاهتمام بقضايا المياه واهتمت بتحقيق مبادئ ميثاق الأرض (Earth Charter) المعلن في 29/6/2000 وسعت مملكتنا ولازالت تسعى لإحراز التقدم في تحقيق مبادئه الشامله لمحاور الاستدامة البيئية والتي تتناول إدارة موارد المياه المتكامله بكل أبعادها. فقد شاركت الدولة في العديد من المؤتمرات الدولية المتعلقة بتطوير قطاع المياه، وتدرك التحديات وما مدى الخطورة للوضع الراهن على الأمنين المائي والغذائي وعلاقتهما بالطاقة في الوطن العربي كله. فلذلك قامت حكومتنا السباقة لكل ماينفع المواطن العربي بمواقف قيادية في قطاعات المياه على المستويين المحلي والاقليمي، فبادرت بالتعاون مع الأشقاء العرب بوضع الخطط والاستراتيجيات ومنها استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية لمواجة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة، وقدمت الدعم السخي فتأسس المجلس العربي للمياه تحت مظلة جامعة الدول العربية في عام 2004م. وقد عين ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) رئيسا فخريا للمجلس شكرا وعرفانا لمواقف المملكة السامية ولدورها الريادي في هذا المجال، كما أن ذلك التعيين يعد بمثابة التكريم لجهوده الشخصية في قضايا المياه ومنها تأسيسه لـجائزة الأمير سلطان بن عبدالعزين العالمية للمياه، ثم اختير صاحب السمو الملكي الامير خالد بن سلطان آل سعود ليكون رئيسا فخريا للمجلس، حيث واصل المسيرة المشرفة للمملكة وممثلا للسعوديين المنخرطين والمهتمين بقضايا المياه. وايضا من إحدى الثمرات والجهود المتظافرة مع إخواننا العرب انه تم انعقاد المنتدى العربي الأول للمياه بالعاصمة الرياض في الفترة من 16-19 /11/2008م لتنطلق بداية تفعيل المنتدى العربي للمياه مرة كل ثلاث سنوات، وتجدر الاشارة هنا إلى أن اليوم العربي للمياه يوافق تاريخ 3 مارس/آذار من كل سنة ميلادية حيث تم اعتماد هذا اليوم بدعم وتاييد من كل أشقائنا العرب من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ممثلين من قبل مجلس وزراء المياه العرب عام 2009م، فكان اليوم العربي الاول للمياه بتاريخ 3/3/2010م. وفي السنة الميلادية الماضية وتحديدا في يوم 4 سبتمبر 2023م أعلن صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي عهد ورئيس مجلس الوزراء بتأسيس منظمة عالمية للمياه تهدف الى تطوير جهود الدول والمنطمات لمعالجة مشاكل وتحديات المياه بشكل شامل، وقد اثبت تاسيس هذه المنظمة بأن موقف المملكة موقفا رياديا على كل الاصعدة التي تنفع البشرية جمعاء. أما فيما يتعلق بالخدمات المنجزة في هذا القطاع الحيوي بالداخل فكثيرة ولله الحمد منذ تأسيس المملكة، فالاهتمام بالمياه ليس بالامر الجديد اذ ينطلق في الاصل من تعاليم الشريعة الاسلامية السمحة، وقد تضمن النظام الاساسي للحكم (في المادة 32 من الباب الخامس) “المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها” وهي تشمل تطوير موارد المياه والمحافظة عليها. ومؤخرا في خطة التنمية التاسعة للدولة (1431-1432)-(1435-1436هـ) يتجلى استمرار الاهتمام بالموارد المائية حيث أن الهدف العاشر من الخطة هو” تنمية الموارد الطبيعية وبخاصة الموارد المائية والمحافظة عليها”. وإن عدنا للوراء وبداية المشاريع في ذلك القطاع فان المملكة عرفت تحلية المياه منذ أكثر من 100 عام بتشغيل وحدة تكثيف وتقطير لمياه البحر في جده، والتي أخذت من بارجة في عام 1905م/1325هـ، ويقال انها اول وحدة تحلية أنشأت على اليابسة، وكانت تقنيتها تعتمد على الفحم الحجري وعُرفت تلك الآلة المقطرة للماء المالح باسم شعبي “الكنداسة” الذي اخذ من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، وهذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري. وبعدها بدأت صناعة التحلية عندما أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1346هـ/1927م بإستيراد أول آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر بالتقنية نفسها لملاحظته لمعاناة نقص المياها العذبة التي تلحق الحجاج والمعتمرين، فتحلية المياه المالحة حينئذ قصة إنجاز لموحد المملكة ورجاله الناجحين حيث بدأت بوحدة تقطير إلى إنشاء أكبر محطة تحلية متكاملة في العالم، والتي أنشأت في رأس الخير بمدينة الجبيل، وهي تعمل بتقنية الإنتاج المزدوج بطريقة التبخير الوميضي والتناضح العكسي لانتاج المياه وبوحدات مركبة من التوربينات الغازية والبخارية لانتاج الكهرباء، وتبلغ طاقتها الانتاجية بـ 1.025 مليون متر معكب يوميا من المياه المحلاه وأكثر من 2400 ميغاواط من الكهرباء. وأيضا تحتل محطة الشعيبة للمرتبة الثانية لأكبر المحطات عالميا، وقد بلغت محطات التحلية33 محطة تحلية منها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة تحلية على ساحل البحر الأحمر وتنتج اكثر من 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً حيث يتم نقل تلك المياه المحلاة إلى جميع أنحاء المملكة عبر خطوط أنابيب بطول 11.2 ألف كلم تقريبا. كما ينتج القطاع الخاص اكثر من 27 مليار علبة ماء يوميا بحجم 330 مل، وهذا جعل معدل انتاج المملكة من المياه المحلاه مع القطاع الخاص في المركز الاول عالميا لبلوغ الانتاج ما يقارب 22%. ومع إطلاق رؤية المملكة 2030 التي تناولت الامن المائي في مشاريعها، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030 والتي تتالف من رؤية بيانها هو ” قطاع مياه مستدام ينمي الموارد المائية ويحافظ عليها ويصون البيئة ويوفر إمداد آمن وخدمات عالية الجودة والكفاءة تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، وتم قد تفصيل بيان الرؤية في خمسة أهداف استراتيجية ستتحقق باذن الله. وتماشيا مع اهداف رؤية المملكة 2030 تعمل المؤسسة العامة لتحلية المياه على تنفيذ مشروع مبادرة تحلية المياه بالطاقة الشمسية للتقليل من الاعتماد على النفط، وخطة العمل على ثلاث مراحل بحيث يتم انتاج جميع المياه المحلاة في المملكة باستغلال الطاقة الشمسية في عمليات التحلية الحرارية، وفي محافظة الخفجي بدأت باكورة تحقيق تلك المبادرة بانشاء مشروع محطة الخفجي لتحلية المياه الذي يلبي احتياجات المنطقة من المياه بطريقة مستدامة، ويعد أكبر مشروع لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم، وقد أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء هذا المشروع عام 2018م، كأحد مشاريع الرؤية الطموحة ليصبح نقطة تحول كبيرة في تحلية المياه المالحة إلى مياه شرب نظيفة، وتوليد الطاقة النظيفة للمملكة، حيث تصل القدرة الإنتاجية للمحطة إلى 90,000 متر مكعب يوميًا، وتستخدم أحدث التقنيات التي قامت بتطويرها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، فجعلت المحطة تعتمد على الطاقة الشمسية التي تقلل الانبعاث الكربوني، وتساهم في التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة. وبالنسبة لمجال خدمات الصرف الصحي فالجهات ذات العلاقة مستمرة في استكمال وانشاء المحطات والشبكات، وكذلك العمل فيما يرتبط بمحطات التنقية لمياه السدود او للمياه الجوفية، فالمملكة تحتضن في منطقة حائل لثاني أكبر محطات التنقية للمياه الجوفية في العالم، وتعمل هذه المحطة بتقنية أغشية النانو ومقدار طاقتها 150 ألف متر مكعب يوميا. وتم إنشاء العديد من السدود والتي بلغت بجميع انواعها 422 سدا أكبرها سد الملك فهد المقام على وداي بيشة والذي يعد أكبر سد خرساني في الشرق الاوسط وثاني سد بعد السد العالي في مصر من حيث سعته التخزينية التي تبلغ 325 مليون متر مكعب والمكونة لبحيرة السد التي يزيد طولها عن 18 كيلومتر. وقد حفرت الكثير من الآبار في المملكة ومنها أعمق بئر في العالم بعمق 3000م والتي كان حفرها في عام 1380هـ. وإن الملاحظ لقطاع المياه ولخطى استخدام التكنولوجيا المتطورة والاهتمام بالخيارات التي تتيح الاستخدام الآمن والمستدام لمصادر المياه الضحلة في المملكة ليرى التقدم الكبير بشكل عام، فقد اتخذت الكثير من التدابير لإدارة الطلب عل المياه، وهناك تطوير مؤسساتي فلدينا وزارة البيئة والمياه والزراعة، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وشركة المياه الوطنية، وهيئة تنظيم الكهرباء والانتاج المزدوج، وشركة الماء والكهرباء، وشركة مرافق الكهرباء والمياه بالجبيل وينبع، ونمتلك مراكز أبحاث وجمعيات وهيئات ومنظمات ذات علاقة، وكلها تتعاضد في تحقيق الغايات الاسترايجية للأمن المائي، وعلى سبيل المثال نذكر ما أنجزته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مشروعها للبصمة المائية. لمحة عن الوضع الراهن لمصادر المياه بدايةَ تنقسم مصادر المياه في المملكة إلى مصادر تقليدية وغير تقليدية، فالتقليدية تتمثل في المياه الجوفية والمياه السطحية وتشمل مياه الأودية والآبار والينابيع والدحول والكهوف والبحيرات خلف السدود، بينما الغير تقليدية تتمثل في مياه البحر المحلاه وفي مياه الصرف الصحي والزراعي المعالج. وحسب الدراسات والتقارير الحديثة تتوزع نسب مصادر امداد المياه في المملكة كالتالي: المياه المعالجة 1% المياه المحلاة 7% المياه الجوفية المتجددة 16% المياه الجوفية غيرالمتجددة 76%. وتبلغ نسبة طلب المياه بالمملكة من قطاع الزراعة 83% والصناعة 4% والبلديات 13% . والدولة لم تنكفئ ولن تنكفئ عن دعم وتعزيز الحلول المناسبة لمصادرنا المائية الشحيحة، وتبذل جهودا جبارة لايصال المياه الصالحة للشرب، فالمواطن أوالمقيم في المملكة لا يدفع الا القدر اليسير من التكلفة الاقتصادية الفعلية من استخراج وانتاج ونقل المياه. ومع هذا لايزال الكثير من مستخدمي المياه مستمرون في الاستنزاف الجائر ولا يستشعرون قلة مورادنا المائية المتجددة، فلا يرشدون في الاستخدامات الزراعية اوالصناعية أو المدنية، ويجدر بالذكر أن معدل استهلاك الفرد في المملكة من أعلى المعدلات في العالم لبلوغه 250 لتر في اليوم، وفي بعض المدن قد يصل إلى 400 لتر يوميا! وبهذا أصبحنا ثالث أكبر دولة في استهلاك المياه بعد الولايات المتحدة الامريكية وكندا حسب دراسات موثوقة، فهناك نوع من التهاون وعدم تقدير لقيمة الماء الاقتصادية لدى العديد من المواطنين والمقيمين بسبب عدم وجود جدوى وقيمة اقتصادية كافية للمياه عند تنفيذ المشاريع فخدمات المياه تصل للمشاريع بأسعار تعتبر رخيصة، ولذا رأينا المنتجات الغذائية والمشروبات تصدر للخارج وحتى الى البلدان الغنية بالمياه، ونجد أن القطاع الزراعي يلتهم أغلب مياهنا بقرابة 83% وهو المستهلك الرئيسي للمياه الجوفيه بالمملكة. وقد تسبَبَ استنزاف المياه الجوفيه في أغراض الزراعة والأغراض المتعددة الأخرى إلى هبوط مستوى الماء في الطبقات الرئيسية والثانوية الحاملة للمياه، ومنها مثلا طبقة المنجور التي تغذي العاصمة بجزء من احتياجها، حيث هبطت مياه بعض الآبار خلال الثلاثين سنة الفائتة إلى أكثر من 150 متراً. ولم يقتصر حال المياه الجوفية على انخفاض منسوبها وجودتها، ولا على فقد الطبقات الحاملة للمياه الجوفية لخاصية ضغطها البيزومتري، وإنما تعدى الى تلوث المياه بتسرب نسبة من الملوثات السائلة والصلبة إلى التكوينات الحاملة، وخاصةً ما تسرب من الملوثات السائلة من مياه الصرف الصحي. فنحن نعاني من تلوث المياه الجوفية الذي يحصل بسبب الممارسات الغير آمنة والغير صديقة للبيئة، كتحويل الآبار المهجورة وبكل أسفٍ إلى مرمى لكثير من النفايات المختلفة من مواد كيميائية وبترولية، أو مرمى لبقايا مخلفات مشاريع الانتاج الحيواني والدواجن. وبناء على ظهور الآثار السلبية على موارد المياه الجوفية في المملكة باستنزافها وتلوثها، وعدم تحقق ما بينته التقارير التي ظهرت في بداية خطط التنمية بأن موارد المياه الجوفية ستكفي لمئة عام، قامت وزارة المياه والكهرباء (آنذاك) بسن النظم والقوانين الخاصة بحماية موارد المياه كنظام منع التصدير لمحاصيل الحبوب والأعلاف، وكالتوقف عن شراء القمح من المزارعين المحليين منذ عام 2016م. أما بالنسبة لمنظومتي النقل والتوزيع في قطاع المياه فعمليات التوسع والصيانة مستمرة وفي تطور يضاهي الدول المتقدمة ولله الحمد. ومما سبق يتبين أن تحديات ومشاكل المياه في المملكة تحتم علينا التآزر والعمل بفاعلية أكبر حتى نطبق ونصل للإدارة المتكاملة للمياه التي تراعي أعلى معايير الجودة في المواصفات والمقاييس العالمية. فيجب على المقاولين والمشرفين على تنفيذ مشاريع المياه والصرف الصحي استشعار المسؤولية والأمانة والاتقان أثناء التنفيذ في المقام الأول، وثانيا ينبغي على الأجيال الحالية بذل المزيد من الاهتمام في نيل العلم بمجالات علوم المياه وإدارتها، والعلوم المتعلقة الاخرى، فنحن أحوج من غيرنا لتلك العلوم ووضعنا المائي يبرهن الحاجة، كما أنه يلزمنا التعاون في رفع مستوى الوعي المائي تجاه المحافظة على المياه، ونشر ثقافة الترشيد وتطبيق الممارسات الحضارية المخفضة للاستهلاك. وإعلامنا يتحمل المسؤولية الكبيرة في مهمة التوعية والإرشاد وتسليط الضوء على مسائل المياه بجانب الجهات المعنية بخدمات المياه. وأيضا لابد من تفعيل الدور في قطاع التعليم وفي المساجد والجمعيات فالأدوار كلها تشاركية وتكاملية بين جميع قطاعات الدولة أعزها الله. فلنتكاتف بمبدأ العمل الجماعي لتطبيق تعاليم ديننا الحنيف الذي أوصانا بالعناية بالماء، فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ بالمدّ، وهذا برهانُ جلي بأهمية المحافظة على هذا المخلوق العظيم.