ها نحن نعيش الذكرى العاشرة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومتأكد أن هناك الكثير والكثير مما يقال ويكتب ليتناول زوايا متعددة من هذه الذكرى الجليلة فمنهم من سيكتب مقدمة تاريخية لشخصية جلالته والمسؤوليات التي تولاها، ومنهم من سيكتب عن الإنجازات التنموية في (الاقتصاد، التعليم، الصحة...) إضافة إلى المشاريع الكبرى، ومنهم من سيكتب عن التطورات الاجتماعية والثقافية مثل تمكين المرأة وزيادة المشاركة الشبابية في المجتمع إضافة إلى المبادرات الثقافية والفنية التي دعمتها الدولة في عهده الميمون لتعزيز الهوية الوطنية، ومنهم من سيكتب عن السياسة الخارجية من زاوية دولية وأخرى إقليمية، وكيف أسهمت في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى الاتفاقيات والشراكات الدولية التي أبرمتها المملكة تحت قيادة الملك سلمان، ومنهم من سيكتب عن التحديات التي واجهتها المملكة وكيف تم التعامل معها بمزيج من الحكمة والحزم. كل هذه الزوايا الواضحة سأتجاوزها لأتحدث عما يعطي تفسيراً لمشاعر أهلي وناسي من بادية وحاضرة، مشاعر وطنية لم يشعروا بها من قبل بهذا الوضوح والتجلي في كل قرية وهجرة، في كل جبل وسهل، في كل بلدة ومدينة كما لو كانوا جزءاً فاعلاً في حركة التاريخ. لنعد إلى الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي وبالإمكان العودة إلى ما قبل ذلك في تاريخه، لكني من جيل أدرك هذه الفترة وهو صغير، ولأني من النوع الذي لا يكتب إلا عن شيء لامس وجدانه، فقد لامسني في نشأتي التي لم أتجاوز فيها الحلم، جالساً القرفصاء مع أهلي أتابع القناة الأولى تستعرض جولتها في معرض المملكة بين الأمس واليوم، حيث كان الملك سلمان أميراً للرياض وطلبت إذاعة صوت ألمانيا عرض مجموعة من الصور لمدينة الرياض لتعريف الزائرين بالنهضة الحضارية التي شهدتها المدينة، وللنجاح الذي حققه المعرض آنذاك فقد تحولت المسألة من نهضة عاصمة إلى نهضة دولة، فكان «معرض المملكة بين الأمس واليوم» شاملاً جوانب كثيرة تشير إلى إرهاصات خاصة بأمير الرياض الذي أصبح ملكاً وربما غفل عنها الكثير، وليركز القارئ معي في أسماء أجنحة المعرض: «جناح الصحراء، جناح آثار ما قبل وما بعد الإسلام وشمل نموذجاً كاملاً لمدائن صالح... الخ، جناح التراث الشعبي، جناح العلاقات السعودية، الجناح الملكي مشتملاً على مقتنيات المؤسس الملك عبدالعزيز، جناح الرياض الحديثة، جناح الفنون التشكيلية، الجناح الإسلامي، جناح مناطق المملكة المختلفة، جناح رائد الفضاء وقد اشتمل على المقتنيات والملابس والأدوات الشخصية الخاصة برائد الفضاء الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، جناح التطور الصناعي، جناح الخطوط السعودية، جناح العرض بأشعة الليزر، مركز التوزيع الإعلامي الذي يختض بتوزيع المطبوعات والنشرات الإعلامية»، وقد كانت التجربة الأولى في كولونيا بألمانيا، ثم الرياض، ثم أقيم في لندن 1986م حيث قام بافتتاحه الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض والملك تشارلز عندما كان أمير ويلز، وتجاوز زوار المعرض النصف مليون زائر، ثم باريس، ثم أقيم في القاهرة بحضور الملك سلمان بصفته أميراً للرياض والرئيس المصري حسني مبارك، وبلغ زواره أربعة ملايين زائر، وأخيراً أقيم المعرض بكندا بمونتريال عام 1991م من قبل الملك سلمان أميراً للرياض آنذاك ورئيس مجلس الشيوخ الكندي جاك شاربونو، وتجاوز زوار المعرض النصف مليون زائر. ما الذي تريد أن تقوله باستعراض تفاصيل «معرض المملكة بين الأمس واليوم» الذي قام عليه الملك سلمان بصفته أميراً للرياض قبل أربعين عاماً؟ غريبة عزيزي القارئ أنك لم تلاحظ تفاصيل المعرض التي شرحتها لك، إنها تفاصيل لمعرض متجول في مساحة صغيرة، تمثل إرهاصات نعيشها الآن كواقع على تراب هذا الوطن، خلال عقد واحد من بيعة خادم الحرمين الملك سلمان، إنها تلك الروح السامية لهذا الملك الجليل التي بنت تصوراتها الحداثية لهذا الوطن وطافت بها حول العالم، ثم أمسكت بزمام الحكم فجعلت المعرض المبهر بالصور والمجسمات، واقعاً ينبض بالحياة والناس، فالصورة الفوتوغرافية للمدن والآثار وغيرها مما عرضه الأمير قبل أربعين عاماً أصبحت بعد بيعته هيئات تطوير بميزانيات ضخمة، يكفي أن تكتب هيئة تطوير(.......) وضع في الفراغ ما شئت من اسم مدينة أو محافظة أو آثار تم عرض صورها بالمعرض، حتى قسم رائد الفضاء في المعرض قبل أربعة عقود رأيناه في هذا العهد ماثلاً في مواطنة سعودية (ريانة برناوي) ومواطن سعودي (علي القرني)، المعرض نجح بصور ومجسمات وعرض بالليزر، وقد حوله الملك سلمان على أرض السعودية إلى كرنفال من الواقع الحضاري النابض بالحياة والمنفتح على العالم بثقة القوي الأمين، يشارك فيه كل مواطن على تراب هذا الوطن، من أقصى جبال الريث جنوباً إلى أقصى جبال اللوز شمالاً، من ساحل القطيف شرقاً إلى ساحل جده غرباً، وفي قلب الجغرافيا (الرياض)، وفي قلب التاريخ (سلمان بن عبدالعزيز آل سعود).