جاءت فرقة مظلات إلى ينبع في عام 1383هـ وما بعدها، وسكن أغلب أفرادها في القُفّ (الجزء الشمالي من ينبع وأصبحت حالياً الجزء الأساس لينبع البحر)، وقد نشأ الكاتب بالقُفّ في منزل طيني كبقية منازل الحارة واستوطن عددٌ من أفراد المظلات (الباراشوت) كما يسميها الأهالي آنذاك، وكان إنزال المظلي المتكرر فرصة لمشاهدة هذا الإنزال لأبناء الحارة لقرب الموقع من منازلهم ويستمتعون بتلك المهارات ومنهم الكاتب، وكان بعض هؤلاء (أي: فرقة المظلات) من جازان، وقد انتشرت زراعة الريحان في المنازل وعبقت رائحته في المساجد ولاسيما يوم الجمعة، وربط الكاتب الرائحة الذكية من الريحان والكادي بأهل جازان، وهي رائحة جميلة، وكذلك أخلاقهم، وعرف لهم الكاتب منذ الصغر هذا التميز أي: ارتباطهم برائحة الكادي والريحان والخلق الفاضل والمهارة المميزة ولاسيما مهارة النزول بالمظلات، كما كان يحضر بعض المناسبات لهم وأعجب برقص الرجال مع استخدام بعض السلاح، وعَرَفَ فيما بعد جازان ومحافظاتها وتنوع البيئات بها من جزر تاريخية ذات شواطئ تتكسر عليها الأمواج، وأودية سحيقة تغطيها الأشجار الخضراء، ومن أهمها: وادي ابن عبد الله، وادي تعشر، وادي خلب، وادي بيش، وادي لجب، وادي صبيا، وادي ضمد، وادي عتود، كما أن هناك عشرات الأودية الكبيرة في المنطقة التي قامت على ضفافها كثير من القرى والمزارع، ومنها أودية المعيالة وليه، والخمس، وصبيا، وجورة، وأملح، وبيض، ونخلان وغيرها. وجبالٌ شامخة ذات بساط أخضر تكسوها الأشجار طوال العام ويشتهر بمدرجاته الزراعية وقلاعه العالية وتتناثر على قممه القرى ومن أهمها: جبل فيفا، جبل العبادل، جبال بني مالك، جبال الحشر، جبال القهر، جبال قيس، كما وجدت في جازان عدد من المواقع الأثرية منها: القريات، الغرين، الكدمي، جبل لقمان (قلعة لقمان) ، جبل البقر (ساحل العارية)، حيث وجدت مبان حجرية وأساساتها، وبعض القبور القديمة، وبيوت الصواقلة، وقلعة الأتراك، وبيت الجرمن، وتتكون جازان من عدة محافظات، وهي محافظة صبيا ومحافظة أبو عريش، محافظة أحد المسارحة، محافظة الحرث، محافظة الدائر، محافظة الدرب، محافظة الريث، محافظة الطوال، محافظة العارضة، محافظة العيدابي، محافظة بيش، محافظة صامطة، محافظة صبيا، محافظة ضمد، محافظة فرسان، محافظة فيفاء، محافظة هروب، وكل محافظة لها ما يميزها عن غيرها، علماً بأن جازان من أكثر مناطق الوطن الحبيب محافظت وسكانا، وذكرت المحافظات اعتزازاً بها وبأهلها. وهناك قرى أثرية شهيرة تتبع منطقة جازان مثل قرية القوز التاريخية ومدينة عثر وتتميز بآثارها الإسلامية التي اندثر أغلبها. كما ترتبط إدارياً مع منطقة جازان مجموعة كبيرة من الجزر التي تقع غربي المنطقة في البحر الأحمر، ولعل أهمها وأشهرها جزر فرسان هي قاعدة لعدد من الجزر، ومن أهمها: جزيرة فرسان، جزيرة سجيد، جزيرة قماح. وجازان هو النطق الصحيح لهذه المدينة، لكن الناس تعارفوا على نطقه جيزان، مع أن الاسمين هما لمسمى واحد، وقيل: إن تسمية حديثة للمدينة للتفريق بين جازان المدينة الساحلية وجازان المنطقة الإدارية،وقد عرفت منطقة جازان قديماً باسم «المخلاف السليماني» نسبة إلى أحد أمرائها، وهو سليمان بن طرف الحكمي من أهل النصف الثاني للقرن الرابع الهجري، ومعنى المخلاف هو المنطقة أو المقاطعة، وقد كان لموقع جازان كممرّ للقوافل من جهة وكميناء على البحر الأحمر من جهة أخرى أثره في تفاعلها مع الأحداث التاريخية التي مرت بها قبل الإسلام وبعده، وتعتبر جازان همزة الوصل بين الحجاز شمالاً واليمن جنوباً، وكانت قريش تسلك هذا الطريق في رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة. ولوقوع منطقة جازان في أقصى جنوب الغربي من المملكة العربية السعودية بين بلاد اليمن والحجاز فقد جعل منها معبراً لطرق التجارة، ثم الحج في العصر الإسلامي، وحالياً تحدّها منطقة عسير من الشمال والشمال الشرقي، كما يحدّها من الشرق والجنوب الجمهورية اليمنية، ويحدّها من الغرب البحر الأحمر. وتاريخ جازان موغل في القدم، إذ وجدت دلائل استيطان تعود إلى فترة العصر الحجري القديم، وقد جاء بأن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت99هـ) أقطع الشاعر أبا دهبل الجمحي القراشي أرضاً بمنطقة الدارسة بجازان، ويظهر أن الشاعر مكث فيها فترة غير قصيرة بدليل ورود كثير من أمكنتها في شعره بما فيها جازان،حيث يقول: سقى الله جازانا ومن حل ولية وكل مسيل من سهام وسردد كما أشعل نسيم البحر في جازان وجزر فرسان عقول أهلها شعراً وأدباً وأخلاقا، إضافة إلى سحر وديانها وجبالها ووهادها، حيث ولدت كلمات أدبية رفيعة حتى أنك تعتقد وأنت تَتَبّع تاريخ جازان الغالية أنها: منبع الأدب (شعراً ونثراً) فالشاعر من جازان، والقاص من جازان، والصحفي (نسبة إلى الصُحُف) من جازان، والإبداع من جازان، بل والحبّ من جازان، وكذا تبهرك عند تتبع المعالم التاريخية وتنوّعها، كما تعدّ جازان من أفضل المناطق في المملكة سياحياً في ما لو هيئت الوسائل المناسبة لتوظيف مناطق سياحية بها، ولاسيما المناطق الجبلية والجزر اللافتة للنظر سواءً جزيرة فرسان أو عشرات جزر حولها، وتتناثر على أرضها مجموعة كبيرة من المدن والقرى الكبيرة، إضافة إلى عشرات القرى الصغيرة التي توجد في السهل الساحلي والسهول الزراعية وعلى قمم الجبال في المنطقة، وتشتهر منطقة جازان بوفرة أسماكها وأنواعها، كما تشتهر بزراعة الذرة والخضار والفواكه ومنها المانجو والتين والبابايا وعدد من المحاصيل الزراعية الأخرى. وتضم منطقة جازان العديد من المعالم الأثرية البارزة وهي تجذب السياح والزوار من داخل المملكة وخارجها، وأهم هذه المعالم: القرية التراثية حيث تضم العديد من التحف الفنية والأماكن الأثرية والعروض الشعبية والفعاليات المختلفة التي تعكس عبق الماضي وجمال الحاضر، وبحيرة جازان بين الجبال المرتفعة في الغرب،والقلعة العثمانية مبنى أثري تاريخي في شمال منطقة فرسان، سد جازان، جزيرة المرجان، شاطئ النخيل، ميناء جازان، قلعة الدوسرية، وغيرها. كما أن منطقة جازان تنفرد بوجود العيون الحارة ، حيث توجد في المنطقة ثلاث مناطق للعيون الحارة هي: العيون الحارة وما يسمى بالوغرة والواقعة شرق سد وادي جازان، والعيون الحارة بالخوبة، والعيون الحارة بوادي ضمد. إن جازان قطعة من الوطن الغالي ورمز للأدب والحبّ والشعر.. ومستقبل السياحة في الوطن الحبيب، خاصة مع هطول الأمطار المتواصلة أصبحت جازان قطعة خضراء جميلة تجذب إليها النفوس، وترتاح بها القلوب، وتذهب برؤيتها الأحزان والهموم، فجمال الطبيعة من جبال وتلال وهضاب وأودية خضراء بمناظرها الخلابة وأشجارها المزهرة والورود الملونة لاشكّ أنّ لها دورٌ كبيرٌ في راحة البال وإسعاد الناس وإبعاده عن الإرهاق وضغط الفكر والعمل. إن أجواء جازان المعطرة بالورد والريحان والفل والكادي تذكر بكلماتٍ لشاعر محب لوطنه: أتراها تحبني ميسونُ أم توهَمت والنساء ظنونُ كم رسولٍ أرسلته لأبيها ذبحته تحت النقاب العيونُ ثم يقول الشاعر وبكلمات رائعة: ما وقوفي على الديار وقلبي كجبيني قد طرزته الغضون هل مرايا دمشق تعرف وجهي من جديدٍ، أم غيرتني السنين هل هي الشام بعد فرقةٍ دهرٍ أنـهر سبعة، وحور عين النوافير في البيوت كلام والعناقيد سكر مطحون ويطلب من الوطن أن يحتضنه: احتضني ولا تناقش جنوني ذروة العقل، يا حبيبي ، الجنون أهي مجنونة بشوقي إليها هذه الشام أم أنا المجنون ويخاطبه قائلاً: وطني يا قصيدة النار والورد تغنت بما صنعت القرون إلى أن يقول : اعذريني إذا بدوت حزيناً إن وجه المحب وجه حزين وأخيراً يا أهل جازان أنتم على ثغر من ثغور الوطن الغالي، يكتب لكم -إن شاء الله- أجر الدفاع عن هذا الثغر، فقد ورد أن رجلاً قال: يا رسول الله ، إني أحب الجهاد والهجرة، وأنا في حال لا يصلحه غيري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يألَتَكَ الله (أي: لن ينقصك الله) من عملك شيئاً ولو كنت بضمد وجازان». الحديث في كتاب الخراج برقم (220).