نحن ندرك أنه من المسلمات التقدم في العمر؛ لكن التقدم بسعادة وصحة هو قرار، وعلى الفرد أن يستدرك ذلك جيدًا، بل من المهم أن تتغير السرديات والزوايا التي ننظر فيها للتقدم بالعمر، وعلى الإنسان أن يترفق بمن حوله، وأن يلتمس للكبار حاجتهم للتقدير، وأن يعبر عن امتنانه لهم.. الأول من أكتوبر هو اليوم العالمي للمسنين، وقد أولت مملكتنا الغالية أهمية كبرى لكبار السن الذين يتم تصنيفهم ممن تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق بين السكان، وصدرت العديد من المبادرات والأنظمة التي تعتني بهذه الفئة، كان آخرها نظام (حقوق كبير السن ورعايته)، والذي يساهم بشكل مباشر في تحسين جودة حياتهم من خلال تقديم الدعم المالي للعائل كبير السن المحتاج، بجانب تخصيص استراتيجية تتكون من خمسة أهداف وهي: توفير بيئة تحفظ وتصون كرامة الكبار، تعزيز اندماجهم في المجتمع، تقديم خدمات رعاية اجتماعية ذات جودة عالية، تعزيز المشاركة المجتمعية في هذا القطاع الإنساني والمهم، كما سيدعم النظام تحول وزارة الموارد البشرية إلى دور المشرف في مجال الرعاية للكبار. كما من المهم الإشارة إلى أنه هناك أكثر من 14 جمعية متخصصة في رعاية كبار السن تغطي خدماتها كافة مناطق المملكة، يوجد أيضا رعاية شاملة (صحية واجتماعية ونفسية) عبر دور الرعاية المنتشرة في المناطق ويبلغ عددها حاليا ثمانية. ويشهد الوطن دعما وتكاتفا يحق لنا الفخر به حيث يكون هناك توفير مستمر للأجهزة الطبية اللازمة من كراس متحركة وأسرّة طبية وسماعات بجانب الرعاية المنزلية وفق الضوابط المحددة في النظام، كما أن الإدارة العامة لرعاية كبار السن ووكالة التأهيل والتوجيه الاجتماعي تحت مظلة الوزارة أوضحت أن كبار السن في المملكة يشكلون قرابة مليون ونصف المليون، السعوديون منهم مليون. نعم بكبارنا نكبر، وباستشعار نعمة وجودهم وعطائهم نستمر ونتطور، وشتان بين النظر لهم على أنهم مورد للخبرات وما بين اعتبارهم عبئًا، ونحن -ولله الحمد- وهبنا الله -عز وجل- مجتمعا متحابا، ولكبارنا مهابة ومحبة ومكانة متوارثة جيلا بعد جيل، نعم نحن نحبهم ونمتد منهم وإليهم، بل تتطلع الوزارات ممثلة في الموارد البشرية ووزارة الصحة للمساهمة في تحسين حياة هذه الفئة، بل جعلت أحد مستهدفاتها أن يصل متوسط عمر الإنسان السعودي لما بعد السبعين، وتوجد برامج لا تستهدف الرعاية الصحية فقط بل دعمهم بالاندماج الرقمي ومحو الأمية الرقمية، إن مملكتنا الغالية تهتم بصحة مواطنيها وتحفز أنماط الحياة الصحية وتكافح الأمراض المزمنة بالوقاية منها ونشر ثقافة (التشيخ الصحي) بمعنى أن يكبر الإنسان بصحة أكثر ومحافظة حقيقية على العقل والجسد. لفت نظري أيضا التوزيع الديموغرافي للكبار الذي ورد في حديث الأمين العام لمجلس شؤون الأسرة الدكتورة ميمونة آل خليل، حيث أوضحت المناطق التي سجلت أعلى عدد لكبار السن -من السعوديين، وغير السعوديين- فهي على الترتيب: منطقة مكة المكرمة، وقد بلغ عددهم 252977 نسمة، يليها منطقة الرياض 191130 من كبار السن، بينما سجلت المنطقة الشرقية ما يقارب 107323 من كبار السن. كما نشرت أيضا الهيئة العامة للإحصاء تفاصيل مستفيضة حول كبار السن ألخصها في أن كبار السن من الإناث أعلى نسبة من الذكور، ويتفوق عدد المتزوجين بنسبة 70 ٪ للرجال 93 ٪ والنساء 47 ٪ ونسبة 27 ٪ للأرامل، و1 ٪ ممن لم يتزوجوا أبدا، وفي مجال التطوع لوحظ إقبال كبار المسنين من الرجال بنسبة 4.7 ٪ مقابل 4.3 ٪، كما استحوذ المجال الديني بنسبة 50 ٪ على نوع المشاركة المجتمعية مقابل 8 ٪ للمجال الثقافي. أما عن الجانب الرياضي فإن نسبة الممارسين للنشاط الرياضي (150 دقيقة فأكثر في الأسبوع) كانت قليلة حيث بلغت 1.75 ٪ وتتلاشى لدى النساء الكبيرات لتصل إلى 0،27 ٪، وهو أمر تسعى جودة الحياة بكل أدواتها لتغييرها ورفعها لنكون مجتمعا حيويا بالكبار قبل الصغار، ونحن قادرون بإذن الله. نحن ندرك أنه من المسلمات التقدم في العمر؛ لكن التقدم بسعادة وصحة هو قرار، وعلى الفرد أن يستدرك ذلك جيدا، بل من المهم أن تتغير السرديات والزوايا التي ننظر فيها للتقدم بالعمر، وعلى الإنسان أن يترفق بمن حوله وأن يلتمس للكبار حاجتهم للتقدير، وأن يعبر عن امتنانه لهم، في الوقت الذي يعاني فيه كبار السن من الوحدة في المجتمعات الأوروبية وتزايد عددهم أمام انخفاض حاد في عدد المواليد حيث من المتوقع أن تصل نسبة المسنين 36 ٪ بحلول عام 2050، وهذا أمر يشكل خطورة إنسانية واقتصادية. اليابان التي تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد المسنين والتي تبلغ 29.1 ٪، تليها إيطاليا وفنلندا، تعاني أيضا من هذه التبعات التي تتطلب تكاتف المجتمع لرعايتهم، لذا أجد أننا محظوظون بالفعل -ولله الحمد- بقادتنا ورؤيتنا وأيضا إرثنا الاجتماعي الذي يجعل من كبارنا طويلي أعمار، ومن حضورهم فرحة وفي وجودهم الطمأنينة.. والحمد لله، وكل عام ونحن بهم بخير.