×
محافظة أحد رفيدة

نرسيس تحرر من عقدتك

صورة الخبر

هل بقيت رجال ألمع هي مركز الثقافة في عسير؟ لن أجيب.... يكفي أن كل من يريد الكتابة عن تاريخ عسير بشكل جاد سيحتاج المكتبات الألمعية وذروة سنامها مدونات (آل الحفظي) كابراً عن كابر، بل إن معظم الأسر العلمية في المنطقة كانت تفد على المدرسة الحفظية لتعود إلى أريافها وقراها وهي أكثر فقهاً وعلماً. تميزت هذه الأسرة أنها جمعت مع العلم الديني وعياً تاريخياً وروحاً أدبية، فكانت مدرسة في الفقه والشعر والتاريخ، فشكراً لها من قلبي، ويبقى السؤال: لماذا اختار الجد الأول لهذه الأسرة رجال ألمع لو لم ير فيها ما يتناسب والتقدير الكافي للعلم والمعرفة. يبقى السؤال عالقاً: هل بقيت رجال ألمع هي مركز الثقافة في عسير؟ لن أجيب.... لأن الغافلين عن أثر التحولات التاريخ سياسية لن يدركوا الفرق في (الجغرافيا السياسية) أيام العثمانيين والأدارسة، التي جعلت حتى صحافة الشريف تتحدث عن (القنفذة باعتبارها ثغر عسير/ راجع العدد 22 من جريدة القبلة ص2، يوم الإثنين 3 محرم 1335هـ تحت عنوان «أخبار القنفذة») وعليه فالمستوى الحضاري (المدني) كان في عدد الموانئ الكثيرة المرتبطة بتهامة عسير وأهمها رجال ألمع كميناء بري وسوق تجاري مزدهر مقارنة بخطوط التجارة البعيدة عن الموانئ البحرية، واختلاف الجغرافيا السياسية قبل مائة عام (ميناء الشقيق، ميناء القحمة، ميناء البرك، القنفذة، جيزان) ووقوف السفن الإيطالية وغيرها ومكاتب الجمارك وارتباط رجال ألمع كميناء بري ببعض هذا، كان له انعكاسه آنذاك. هل تقصد أن رجال ألمع لم تعد مركز الثقافة في عسير؟ لن أجيب.... فالتغيرات الجيوسياسية ما قبل المائة عام والآن، تجعل المقارنة سخيفة، فمستوى التعليم في العهد السعودي تجاوز مخرجات الكتاتيب التي كانت انعكاساً لواقعها السياسي آنذاك، يكفي أن نقرأ رأي عميد الأدب العربي طه حسين عندما قال: «وفي تهامة وعسير حياة عقلية ولكنها ضئيلة جداً وهي ممعنة في التصوف متأثرة في ذلك بإفريقيا الشمالية، فقد نقل إليها الأدريسيون طريقة مغربية انتشرت فيها وظفرت بالسلطان السياسي، ولكنها لم تحدث نهضة أدبية ولم تغير من حال الأدب شيئاً» ص47 من كتاب «الحياة الأدبية في جزيرة العرب» للدكتور طه حسين، ط1، 1935م/1345ه. علماً أن الأدارسة هم الوحيدون في عسير الذين عقدوا تحالفات مع دول أجنبية عظمى مما له دلالة تتجاوز ثقافة ووعي (أمراء الحرب) التقليديين فيها. أظنك تضمر إنكاراً للنسب النبيل والناس النبلاء؟ كيف أنكر ما أعرفه كخطوط يدي، أصافح بها أكف الرجال النبلاء من عرب وعجم، وأقلب بها أوراق الكتب لعرب وعجم، وجدتها تلميحاً في (مقالات أمرسون، ت1882م) فحفرت في معنى النبالة وجدتها مضمرة في (مقالات مونتيني، ت1592م) حفرت أكثر فوجدتها صريحة في (رسائل الجاحظ، ت 868م) بعنوان: «النُبل والتَنَبُّل وذم الكبر» وخلاصتها (الطهارة من الكبر، مع تربية النفس على العفة والعزة)، ولهذا قد يحظى بالنبالة غير أهلها ويعجز عنها بعض أهلها فمن (أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، ثم عشت قرابة العقدين كأني ديوجين يطوف في شمس الظهيرة والفانوس بيده (باحثاً عن رجل/فكرة)، فلما دخلت الخمسين آثرت العزلة وتآلفت معها، والمخالطة بقدر الحاجة، عاذراً من يلومني... كيف ألوم الهاربين من أنفسهم إلى بعضهم؟! ما أقلهم وأكثرني. ذهبت بعيداً، وسؤالي عن حقيقة موقفك من رجال ألمع كمركز لثقافة منطقة عسير؟ لن أجيب... بل سأذكرك بكلام ابن خلدون عن تقلبات الجغرافيا الحضارية، ولهذا فإني أرى في محافظة أحد رفيدة في العقد القادم من مؤهلات (المنافسة الثقافية) لأسباب موضوعية (الكفاءات العلمية المتنوعة + العمق التاريخي) والعمق التاريخي أقصد به وجود (جرش). هل تقصد أن محافظة أحد رفيدة هي (المركز الثقافي القادم)؟ لن أجيب.... لكن بصراحة، إن كانت الثقافة تعتمد على (المثابرة) فنعم، وأظن كثيراً من أجواء الثقافة عند الأغلبية تتكئ على هذا المعيار، وإن كانت الثقافة تعتمد على (الإبداع) فالأمر سيبقى مرتبطاً بعاصمة الإقليم (أبها الحديثة) وأقصد أبها في العهد السعودي، التي تعلَّم في مدارسها معظم الأسماء المبدعة المهاجرة من قراها طلباً للعلم، ولست ممن يتشبع بثوب كفاح علمي لم يعشه، فلقد كانت دراستي أوائل الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي ما بين مدرسة الأبناءــ يأخذني الباص من أمام المنزل ويعيدني- بالمدينة العسكرية في تبوك بأقصى الشمال، ومدارس محافظة خميس مشيط، ولهذا يوجد عندي من إمكانيات (الحياد الثقافي) في قراءة المنطقة ما لا يوجدــ ربماـ في غيري، ممن عاش طفولته في قرية أهله ومدينتها المجاورة. والخلاصة من كلامك؟ لن أجيب... لكن يكفي أن تخرج من إطار قبيلتك الضيق، وسترى في محافظة بعيده عنك مثل محافظة تثليث من العمق التاريخي الممتد لما قبل الإسلام ما لا تجده في أماكن أخرى، وتذكر أن عسير ليست (ذحل أحمق بين قبيلة وأخواتها) في مساحة صغيرة تقدر بـ81.000 كلم2 بل جزء من نسيج وحدة سياسية عظيمة، في دولة حديثة، لم يسبق لها مثيل في (جزيرة العرب) ازدهاراً ونمواً حضارياً، تشمل مساحة كبيرة تقدر بـ2.150.000 كلم2، فالقبيلة مهما تعاظمت شمالاً أو جنوباً فأقصى إمكانياتها (الحضارية) زراعة ورعيا وسوقا أسبوعيا تحميه حيناً وتفشل أحيانا ما بين عملة مجيدية وريال فرانسه، أما الدولة الحديثة (فمدارس وجامعات، مراكز أبحاث ومستشفيات، طرق سريعة ومطارات) إنها الإمكان الوحيد لتصبح إنساناً معترفاً به بين دول العالم، وبغير ذلك (مشرد، لاجئ، مرتزق)، فهل عرفت الفرق بين الثريا والثرى يا نرسيس؟!