×
محافظة مكة المكرمة

المرأة بعد الأربعين.. بين الأمس واليوم

صورة الخبر

حياة المرأة بعد الأربعين تختلف كثيرًا بين الأمس واليوم، ففي الوقت الذي كانت فيه جداتنا يصلن إليه وهن جدات بالفعل، اليوم قد تصل له المرأة وهي لا تزال في طور الارتباط سواء لرغبة شخصية أو لأي سبب آخر، فالتفاوت في الوعي بين الجنسين والاختلاف الشاسع في نظرتهم تجاه مفهوم الزواج يستحق التأمل والرصد وسد هذه الفجوة المفاهيمية.. تداول الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي حديثا حول سلامة حمل المرأة حينما تقترب من الأربعين، واستوقفتني العديد من الردود السلبية والإيجابية، وحينما يتحدث العلم فإن الاستماع له فرض عين، حيث قالت الطبيبة الفاضلة الدكتورة مها النمر أيقونة الوعي الصحي للمرأة عبر حسابها في منصة إكس: "إن الحمل في سن 35 أو الأربعين للسيدة السليمة لا يشكل خطرا عليها ولا على الجنين، الحمل والولادة والمتابعة مع استشاري خبرة لتفادي المشكلات المتوقعة، الرجاء عدم تخويف النساء من العمر. مع تقدم العلم توفرت طرق كثيرة لتجنب المشكلات المتوقعة على الأم والجنين أثناء الحمل والولادة". وهذا الرد بالتحديد لمن يتأخر الحمل لديها لأي ظرف كان اجتماعيا أو صحيا، وانهمرت الردود والتفاعلات بين المؤيد والمعارض، والحقيقة أن هناك احتقانا اجتماعيا يفسر الكثير من كراهية النساء لدى البعض سواء بشكل واعٍ أو غير واعٍ، وهذه المشكلات هي بلا شك عالمية ولا تختص بمجتمع دون الآخر، الفارق لدينا أن النساء السعوديات اليوم وبعد عصر التمكين الذي نحياه -بفضل الله به ثم رؤية ولي العهد حفظه الله- وسيادة مفهوم جودة الحياة فإن الأصوات الغاضبة تلوذ بالصمت أو بالتخفي خلف المعرفات الوهمية حيث القانون يقف بالمرصاد لمن يحاول خلق صراع اجتماعي نحن في غنى عنه. إن حياة المرأة بعد الأربعين تختلف كثيرا بين الأمس واليوم، ففي الوقت الذي كانت فيه جداتنا يصلن إليه وهن جدات بالفعل، اليوم قد تصل له المرأة وهي لا تزال في طور الارتباط سواء لرغبة شخصية أو لأي سبب آخر، إن التفاوت في الوعي بين الجنسين والاختلاف الشاسع في نظرتهم تجاه مفهوم الزواج يستحق التأمل والرصد وسد هذه الفجوة المفاهيمية، وهذا الأمر لن يحدث بتصعيد حدة الخلاف لكن بفتح مساحات حوار وتوفير دورات تدريبية للتعامل بين الجنسين، بل مهم أن يكون هناك استشارات مكثفة قبل الزواج، وبعده. وقد تحدثت سابقا عن المجتمعات الموازية؛ فمجتمع الرياض مثلا فرص الزواج فيه تختلف عن مجتمع أطرافها وقراها، وحينما ننظر في أشكال الزواج مثلا في منطقة مكة المكرمة ستجد تباينا بين جدة ومكة والطائف وتفضيلات متفاوتة لدى الجنسين، سيكون من الرائع لو تم عمل مسح إحصائي ليس فقط لعدد المتزوجين والمتزوجات والمطلقين والمطلقات لكن لعلنا نرى بالفعل ما وراء هذه الأرقام، وأعتقد أن الهيئة العامة للإحصاء قادرة على صناعة هذا التحول المنتظر بكوادرها المتميزة. إن الإنجاب في نظري من أعظم الهبات الربانية من الله سبحانه وتعالى واستشعار حجم مسؤوليته يستوجب على الفرد المزيد من التفكير الواقعي والمتجرد من العواطف، أتعاطف بشدة مع تلك السيدة التي تجد نفسها تحت وطأة خطابات متطرفة تحصر قيمتها في جسدها، وكثيرا ما أقرأ عبارات جارحة تجاه النساء الأربعينيات اللاتي أنا منهن، رغم عدم تأثري الشخصي، لكن أتصور ماذا لو قرأته سيدة تعاني من القلق الاجتماعي أو كيف تتشكل نظرة شريكها لها؟ مقابل العلاقات طويلة الأمد التي نراها بين بعض الأزواج، إن استمرار احتقار المرأة والتحيز ضدها بناء على جنسها وعمرها ووظيفتها لا يخدم أي أحد، بل يخلق المزيد من الصراعات والنزاعات التي لا تبني الأمم بل تهدمها، لذلك من المهم أن تتوقف حينما تقرأ عبارات ولو على سبيل المزاح تقلل من شأن أي من الجنسين فمعظم النار من مستصغر الشرر. تقول فيكتوريا سميث صاحبة كتاب "Hags" أي الشمطاء -شيطنة منتصف العمر للمرأة-: "إن الطمس البدني للنساء الأربعينيات لن ينجح أبدا، وما علينا القتال لأجله هو: محاربة انكار السلامة البيولوجية لدى الأجيال، وقف السرديات الذكورية المتطرفة، منع الإصرار المستمر على أن النساء لوحة يجب أن تنظف وتستبدل كل مرة".. وأعتقد أن في السياق المحلي قد نجد أن إنكار الكثير من السيدات لتقدمهن بالعمر شكل من أشكال تزييف الوعي المتوارث، أتذكر حينما دخلت سن الأربعين -منذ عام ونصف العام- وجدت أن البعض من النساء حولي يوصينني بألا أبوح بعمري، والحقيقة أن وجهة نظري تصيبهن بالصمت والغضب حيث أظن أن من تخفي عمرها تحمل في عمرها شيئا من روح الجواري والحر ملك، أما الملكة فتعلن ميلادها وموتها وسيرتها دون خوف أو فزع، فقيمتها تستمدها من هذا الزمن الذي لا يزيدها إلا قوة وجمالا وسلطة ومكانة.. كونوا بخير.