لاشك,تختلف المرأة الجازانية إختلافا مدهشا عن قريناتها في مناطق المملكة يبدو ذلك جليا في كينونتها النفسية و تركيبتها الفكرية وكيانها الإجتماعي النابض والذي فجر فيها سمات مدهشة وميزات جمالية بارعة نشأت نتيجة علاقتها المباشرة بالطبيعة وأغتسالها المتواتر من قطر المطر و جداول الغدران وسكنها الحميم في ظلال النبتات العطرية الساحرة كالكادي و الفل و النرجس والريحان و السكب و الشيح ,,لقد خلقت من الطين مباشرة وهاجت معها رائحة السيول المنطلقة قدما والتي خلقت بداخل ذاكرتها خريطة إستثنائية تهيمن بأسلوب عجيب على أفكارها و قناعاتها و توجهاتها ,فكانت النتيجة أن أوغلت في إثراء إدراكها و منطقها العميق فأضافت لها طاقة إستثنائية متوهجة شكلت لها طابع شديدة الخصوصية يحتفظ بهويتها الغزيرة أزمان بعيدة ..إنها صاحبة الخيال الفني والحس الإبتكاري ,والأنامل الإحترافية البديعة والتي تجيد غزل لغة الجمال بأسلوب عجيب ..تلك الكفوف التي عشقها الحناء و برعت في مهارات الحياكة المدهشة و الغزل و إبتكار المشغولات الشخصية و المنزلية و الطهو و نسج القصائد الشعرية ..سيدة التميز حرصت حرصا شديدا منذ عصور التاريخ القديمة وحتى الآن على الطيب ومساحيق الزينة و الكحل .إنها الشاعرة المتفردة و المنشدة المغردة ,إنها المرأة الوحيدة التي تغطي شعرها يوم زفافها بخمار الفل فتورق لها الأمجاد و تقسم عهدا مع زخارف الحناء الدقيقة و المبهرة أن تظل على راحتها قانية اللون ..عرفها التاريخ حكيمة وتتلو الشعر منذ أزلها البعيد ,قيادية تدير شؤونها الشخصية والحياتية و المجتمعية بتناغم عجيب .. كيف لا وهي مزيج من مرتفعات فيفا المتبخترة و بريق فرسان اللؤلؤية الغارقة في حرم البحر و من جنون موج جازان الممتد على الشطئآن وبيش الفاتنة الجمال و صبيا المزهرة بالعزان ومن أبي عريش الحالمة و هتان الخوبة الندي و صامطة الكريمة و غدران العارضة الشفافة فكانت شربتها التي لا تعرف الضمأ ..لقد تأثرت هذه المرأة العجيبة بهذه الأرض المجيدة ..ولدتها تلك الأرض التي احتفظت بمكانتها و قوتها و تاريخها القديم و الذي شهدته رحلة الشتاء القرشية فعلمتها الإعتزاز بالأصالة والقوة و التحدي حتى صار وسما شاهرا وفتبلورت أناقتها التراثية الأصيلة التي نقلتها معها خارج حدود الزمان و المكان بطابع يتجلى سحره عميقا في الحقب ,خزانتها الفكرية تجيش من فنون الأدب بألوانه الشعر و الإنشاد والقصص و الروايات أمدا عتيقا,عرفها التاريخ بنشاطها الإجتماعي الفضفاض المتجدد , باسمة ,لينة ,مرنة ,متكيفة ..ذكرتها أحاديث الأسفار و الأشعار و حفظ عنها سجل عامر بالبطولات و الكرم و المروءة وحب الضيف ..إنها المرأة التي عتقتها الشمس وحبكت ظفائرها أنامل التاريخ ..إنها سليلة المجد و أسطورة الحضارة ..