كثر الحديث في المجالس الخاصة والعامة في مدينة جدة، وخصوصاً من زوار العروس من داخل وخارج المملكة وإجماعهم على أن المدينة تشهد تدنياً كبيراً في مستوى النظافة واحتياجها إلى جهود كبيرة لانتشالها من هذا الوضع، ومعظم الملاحظات تنصب حول تكدس النفايات في شوارعها وأحيائها والذي يبدو أننا اسْتَمْرأنا وجوده وتعودنا عليه حتى ألفناه، فلم يعد يلفت انتباه سكانها ولكنه يبرز بشكل واضح لزوارها. ومن أسباب هذا التدني عجز شركات النظافة عن القيام بمهامها، وقد تتمحور إما بقصور في أعداد ناقلات تلك الحاويات أو بعدم إدارتها جيداً بالرقابة، على الرغم من وجود أنظمة تتبع الكتروني تمكنهم من ذلك، ومن تلك الأسباب ضعف رقابتها على عمالتها اصحاب المرتبات المنخفضة أصلا، فبحثوا عن أعمال إضافية (وهذا ليس مبرراً لهم) شغلتهم عن مهامهم الأساسية، مما أدى لعدم تفريغ الحاويات أولا بأول، وعالجت الجهة المشرفة الخطأ بخطأ آخر بخطوة غير موفقة بالموافقة على استبدال تلك الحاويات بأخرى أكبر حجماً، فعالجوا الخطأ بخطأ أفدح، لأن زيادة حجم الحاويات وتأخر رفع تلك الحاويات تعد عاملاً مركباً لزيادة الأضرار البيئية والصحية على البيئة والمجتمع والإنسان، ويتعدى تأثيرها السلبي على العديد من مناحي الحياة ومنها على حركة السياحة في المملكة بصفة عامة، وجدة كوجهة سياحية أنفقنا الملايين للتعريف بها وتعزيز مكانتها كمركزٍ اقتصاديٍّ وسياحيٍّ عالمي. تعود علامة الاستفهام، ماذا عملت الأمانة لتدارك الوضع ومعالجة المشكلة؟ من المسؤول؟ يا سادة نحن نعيش زمن الرؤية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأن عمل الوزارات والإدارات الأخرى هو تكاملي وليس تراكمياً، فعلى سبيل المثال النظافة تؤثر على عمل العديد من الوزارات وليست البلديات فقط، فلو أخذنا وزارة الصحة أنموذجاً من خلال ما لديها من مؤشرات قياس وعمليات استقصاء تمكنها من تحديد مستوى النظافة في مدينة ما وحتى الأحياء المختلفة من المدينة ذاتها؛ لأن كل ما يحدث في الشارع سينعكس على أعمال وأداء مستشفيات وزارة الصحة، فكم من أوبئة ستنتشر وأمراض معدية وآفات وميكروبات وجراثيم، وكل هذا سيؤثر بزيادة تكدس المرضى في المستشفيات والمراكز الصحية وستقفز بالميزانية لأرقام فلكية كان من الممكن تلافيها قبل حدوثها بأقل القليل من تلك التكلفة. سبق لي إثارة موضوع نظافة المدينة عدة مرات كان آخرها في مقال نشر في هذه الصحيفة بتاريخ 5 يناير 2024 أي قبل أكثر من ستة أشهر (عن قيام الأمانة باستبدال حاويات جمع النفايات بأخرى ذات أحجام كبيرة والتي غالباً ما تكون مفتوحة طول الوقت، فبالإضافة لحجمها الكبير وتأثيرها السلبي على حركة السير والمواقف والنواحي الأمنية في الأحياء المكتظة أساساً بالمركبات، فهي بهذا الشكل توفر سلاسل إمداد مستدامة لتغذية تلك الآفات والقوارض، ولا يوجد تفسير لتغيير حجم تلك الحاويات إلا محاولة تغطية عجزهم عن تفريغها في الوقت المناسب؛ مما أدى إلى تكدس النفايات حول تلك الحاويات بروائح تزكم الأنوف وأضرار جسيمة على البيئة والصحة العامة). وما نراه الآن ما هو إلا تأكيد لهذا التوقع، بل تفاقمت الأمور وخرجت عن سيطرة الرقابة بتكدسها في تلك الحاويات البديلة وتأخر رفعها أو تفريغها هي الأخرى، وثبت أن هذا الحل جانبه الصواب فالمشكلة لم تكن في الأحجام بقدر ما كانت عجزاً في إدارة عمليات النظافة فمن المسؤول؟. لقد أولت قيادتنا الرشيدة اهتمامها الكبير بنظافة مدن المملكة وقراها، ورصدت لها مبالغ كبيرة، وبقي على المسؤولين - وأعني هنا أمانة محافظة جدة - أن يستفيدوا من هذا الدعم بزيادة المراقبة والمحاسبة ومعالجة ما يجعل من جدة مثلاً يقتدى به لا أن تكون على ما هي عليه الآن.