×
محافظة الباحة

تاريخ مكة.. أسماؤها وفضائلها - د. تنيضب الفايدي

صورة الخبر

تقع منطقة مكة المكرمة في الجزء الأوسط الغربي من المملكة العربية السعودية، ويحدّها من الشمال منطقة المدينة المنورة، ومن الجنوب الغربي منطقة الباحة وعسير، ومن الشرق منطقة الرياض، ومن جهة الغرب البحر الأحمر، ولهذا الموقع أهمية تجارية لوقوعه على طريق القوافل التجارية بين اليمن والشام. أما مناخ المنطقة فهو ضمن النطاق الصحراوي المداري الجاف ذات درجة الحرارة العالية، خاصة في فصل الصيف، وليله معتدل، وأمطاره نادرة، ولكنها عند الهطول تكون أحياناً غزيرة. أما تاريخها فيكاد يجمع الباحثون في تاريخ العرب القديم على أن الاسم (Macoraba) (مكورابا) الذي جاء ذكره في كتاب الجغرافي اليوناني بطلموس هو تصحيف لاسم مكة، ويرى جواد علي في هذه الإشارة دلالة على اتساع ذكر مكة منذ بواكير الألف الأول للميلاد بوصفها مدينة مقدسة ومركزاً تجارياً حتى وصلت إلى آفاق بعيدة. المفصل (4-9). كما تؤكد الدراسات الأثرية الحديثة أن المنطقة شهدت منذ أقدم العصور استيطاناً مبكراً لجماعات سكانية كبيرة نسبياً، ومارست حياتية ومهارات صناعية متنوعة دلت عليها بقايا أدواتهم الحجرية منذ ما يزيد على ربع مليون عام مضت. آثار منطقة مكة المكرمة (ص32). كانت مكة قبل هجرة إبراهيم عليه السلام وزوجه هاجر وابنهما إسماعيل عليه السلام أي: قبل أكثر من أربعة آلاف سنة من أهم المحطات على طريق التجارة الواصل بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، إلا أن أول استيطان بشري في مكة حسب القرآن الكريم هو ذرية إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم. وبسبب تفجر مياه زمزم جاء بعض القبائل مثل قبيلة جرهم فسكنوا فيه. وقدم إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة مرة أخرى فأمره الله وابنه إسماعيل ببناء البيت كما في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127) سورة البقرة. ونادى إبراهيم في الناس بالحج، وهكذا تبوأت مكة المكرمة مكانة دينية عظيمة، وانتقلت سيادة مكة من أيدٍ إلى أيدٍ آخر إلى أن أصبحت تحت سيادة قريش، يبدو من تسلسل النسب القرشي أن فهر بن مالك من ولد النضر بن كنانة كان سيداً لقريش، وتواترت الزعامة في عقبه حتى وصلت من بعد أجيال ستة إلى قصي بن كلاب في منتصف القرن الخامس الميلادي تقريباً. وكان قصي له دراية كاملة على كثير من تنظيمات المدن، وأساليب تسير أمورها من النواحي الإدارية، حيث بدأ ببناء بيت كبير يفتح بابه على الكعبة المشرّفة، وجعل منه مقراً لرأي قريش وندوة لكبرائها، وهو ما سمي فيما بعد بـ (دار الندوة). وينسب إلى قصي كذلك الاهتمام الكبير بكلّ تفاصيل نسك الحجيج والنظر فيما يصلحها، كما نظم قصي أمور الرفادة، فقد فرض على كل بيت من قريش خرجاً لكي يصنع به طعاماً لمن يحتاج من الحجيج في منى. كما زاد الاهتمام بحفر الآبار وتنظيفها ليتيسر إمداد المياه لقريش ومساكنيهم والآلاف من زوار مكة المكرمة وعمّارها في مواسم النسك، وكانت زمزم آنذاك لا تزال مطمورة حتى أعاد حفرها عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم. بعد وفاة قصي توزعت مظاهر الشرف والسيادة بين أبنائه، ثم خلصت الرئاسة لهاشم لحسن خصاله، حيث نظم التجارة وتعاقد على العصم (الإيلاف) مع مختلف الحكام والزعماء لضمان الأمن للقوافل المكية المغادرة شمالاً وجنوباً، توفّي هاشم في سن مبكر، وخلف في السقاية والرفادة أخوه المطلب بن عبد مناف، ثم من بعده ابن أخيه شيبة الحمد بن هاشم الملقب بعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شيخاً مطاعاً لحكمته وسماحته وحسن أخلاقه، ومما زاد في شرف عبد المطلب بن هاشم ومكانته قيامه بحفر بئر زمزم، وإعادة الكشف عن مكانها، بعد أن كانت مجهولة على وجه التحديد، وفيها روايتان، الأولى أن عبد المطلب بن هاشم رأى في المنام موضعها فأمر بحفرها، والثانية ومفادها أن عبد المطلب قد استقصى أمر البئر ومكانها من الرواة والمسنين من أهل مكة المكرمة وتحرّى موقعها، ثم شرع في حفرها. وبفضل ذلك تعززت منزلة عبد المطلب شيخ بني هاشم من بعد حفر البئر المباركة، واستقرار إمدادات الماء الطيب الزلال الذي لم يُمنَع منه أحد من سكان الحرم أو زائريه، حتى لقد أغنتهم زمزم عن جلب الماء إلى الحرم من الآبار الأخرى في خارج الوادي، وبذلك بلغت مكانة عبد المطلب بن هاشم شأناً لم يدانِه فيه أحد. تاريخ مكة للسباعي (1-63). وفي آخر عمره أوصى عبد المطلب بالسدانة والسقاية والرفادة إلى ابنه الزبير الذي تنازل عنها فيما بعد مختاراً إلى أخيه عبد مناف المكنى أبا طالب الذي تنازل بدوره عن السقاية والرفادة دون سدانة البيت لأخيه العباس، وذلك وفاء لديون كثيرة كانت مستحقة عليه، استقضاها من أخيه، كي يقوم بحق الرفادة على وجهها الأكمل، وظلت السقاية لعباس بن عبد المطلب حتى أول الإسلام، بينما توارث الحجابة (حفظ مفتاح الكعبة المشرفة وفتح بابها) في بني عبد الدار حتى فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة في النصف الثاني من شهر رمضان من العام الثامن للهجرة، وكانت آنذاك بيد عثمان بن طلحة. ومع مرور الزمن أصبحت مكة مركزاً تجارياً مهماً وقد ساعد في هذا موقعها الجغرافي المتميز وأمنها وأمانها، ووفود الناس إليها. فكثرت الأسواق بعد أن كان سوق عكاظ أهم أسواقها، وتتجاوز حدود التجارة ليصبح منتدى الشعر والأدب والخطب، ثم بعد ذلك افتتح سوق المجاز وبعده سوق مجّنة. وموقعها تتميز بأنها في وسط الأرض وقلب العالم ونقطة التقاء بين أطراف الدنيا ونواحيها، كما أن موقعها على الطريق الرئيس في خط القوافل بين اليمن والشام، وأنها يمثل حلقة اتصال بين الحضارات الشمالية والجنوبية، كما أن مسافتها بين الخليج العربي شرقاً والبحر الأحمر غرباً متساوية تقريباً. شهدت مكة المكرمة ظهور دعوة النبي صلى الله عليه سلم إلى عبادة الله وحده ونبذ ما سواه من عبادة الأوثان وغيرها من الجاهلية، إلا أن رؤساء مكة رفضوا تلك الدعوة، بل وقفوا ضد كلّ من يريد أن يقبل تلك الدعوة وذلك بالإيذاء والمقاطعة والتعذيب وغيرها من الوسائل، ولما اشتدّ ظلمهم على من قبلوا تلك الدعوة، أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى بلاد الحبشة وذلك في السنة الخامسة للبعثة النبوية، وقد أثارت هذه الهجرة سخط زعامة قريش فقد أرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة لاسترداد هؤلاء المهاجرين، لكن جهودهم باءت بالفشل، ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة النبوية لكن كفار مكة لم يتركوهم على حالهم، بل حاربوا مع المسلمين، ونتيجة ذلك وقعت عدة غزوات وسرايا إلى أن فتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة، فدخلوا معظمهم في الإسلام، ودخل الناس في دين الإسلام أفواجاً، ويوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة من الأصنام والصور، وكساها بكسوة من اليمن، وأمر بتطييبها وبعد ما لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، سار خلفاؤه على نهجه صلى الله عليه وسلم من حيث الاهتمام بمكة، فتوارثوا العناية بها وبأهلها وبرعاية الحاجين إليها، ثم من جاء بعده اهتم أمور مكة المكرمة. أسماء مكة المكرمة لمكة أسماء كثيرة، ومن تلك الأسماء البعض جاء في القرآن الكريم مثل: مكة بالميم، وبكة بالباء، وأم القرى، والبلد، البيت العتيق، والقرية، والبلدة، ومَعاد، والوادي، مخرج صدق، المسجد الحرام، وهناك أسماء أخرى قد أفردها بعض العلماء ومنها: أم راخم، أم رخم، أياسة، البلد الحرام، تاج، الجُلى، الحرم، الرأس، السبل، سبوحة، السلام، صلاح، العذراء، فاران، قبلة، الكعبة، الكوثر، مهبط الوحي. فضائل مكة المكرمة يقول الحسن البصري في فضائل مكة (ص61): «اعلم يا أخي أن الله فضل مكة على سائر البلاد وأنزل ذكرها في كتابه العزيز في مواضع عديدة، وكلها نزلت في مكة خاصة ولم تنزل لبلد سواها، وهناك أحاديث وهي كثيرة في فضائل مكة وأهلها ومن جاورها، منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين خرج من مكة، وقف على الجزورة واستقبل الكعبة، وقال: «والله، إنك أحب بلاد الله إليّ، وإنك أحب أرض الله إلى الله عز َّوجلَّ وإنك خير بقعة على وجه الأرض وأحبها إلى الله تعالى، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. رواه الإمام مالك، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «خير بلدة على وجه الأرض وأحبها إلى الله تعالى مكة» رواه البخاري. وما على الأرض بلدة يرفع الله تعالى بها الحسنة الواحدة بمائة ألف حسنة إلا مكة، ومن صلى فيها صلاة رفعت له مائة ألف صلاة، وما أعلم بلدة يحشر الله تعالى منها يوم القيامة من الأنبياء والأصفياء والأتقياء والأبرار والصديقين والشهداء والصالحين، والعلماء والفقهاء والحكماء والزهاد والعباد والنساك والأخيار والأحبار من الرجال والنساء ما يحشر الله تعالى من مكة وإنهم يحشرون وهم آمنون من عذاب الله تعالى، وما على وجه الأرض بقعة النظر إليها عبادة إلا الكعبة فإن النظر إليها عبادة، وما على وجه الأرض بلدة يستجاب فيها الدعاء في خمسة عشر موضعاً إلا مكة، أولها جوف الكعبة، الدعاء فيه مستجاب، والدعاء عند الحجر مستجاب، والدعاء خلف المقام مستجاب، والدعاء في الملتزم مستجاب، والدعاء عند بئر زمزم مستجاب، والدعاء على المروة مستجاب، والدعاء بمنى مستجاب، والدعاء بين الصفا والمروة مستجاب، والدعاء بين الركن والمقام مستجاب، والدعاء بعرفات مستجاب، والدعاء في المشعر الحرام مستجاب, وخير واد على وجه الأرض وادي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وخير بئر على وجه الأرض بئر زمزم، وما بلدة يوجد فيها شيء إذا مسه الإنسان خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه إلا بمكة، فإن من مس الحجر الأسود خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وما على وجه الأرض موضع أمر فيه بالصلاة إلا بمكة قال تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (125) سورة البقرة، وما على الأرض بقعة يوجد فيها الطواف والحج والعمرة إلا بمكة. كما أن لمكة المكرمة فضائل أخرى كثيرة، منها: - أن لها أهمية كبيرة لدى كلّ مسلم، ففيها الكعبة المشرفة التي هي قبلة للمسلمين في الصلاة كلها، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (144) سورة البقرة. - بسبب دعاء إبراهيم عليه السلام فإن الأفئدة تهوي إليها، وتشتاق لرؤيتها، حرّمها الله تعظيماً وإجلالاً {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، فيها أول بيت وضع للناس {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (96) سورة آل عمران، فالناس يأتون إليها لأداء فريضة الحج لمن يقدر على ذلك. - فيها آياتٌ بينات مقام إبراهيم، وبئر زمزم، وحجر أسود وغيرها. - ازدادت أهميتها بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أصبحت مكة بلد الرسالة ومهبط الوحي وانبثق منه نور الإسلام ليبلغ الآفاق، وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم وترعرع في أرضها ونزل الوحي فيها. - من فضائلها أن الله سبحانه وتعالى قد حرّمها يوم خلق السموات والأرض، فهو حرم بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمن عرفها، قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (91) سورة النمل. وقال صلى الله عليه سلم: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرم بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها». متفق عليه. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة). متفق عليه. فحرمة مكة باقية إلى يوم القيامة بنص الحديث السابق، وجاء أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي». رواه البخاري. وروي عن مجاهد أنه قال: إذا دخلت الحرم فلا تدفعنّ أحداً ولا تؤذين ولا تزاحم». وقال سعيد بن المسيب: «عليك بالحرم فإن كانت حسنة كانت في الحرم، وإن كانت سيئة كانت في الحل، فإنه بلغني أن سكان مكة لن يهلكوا حتى يكون الحرم عندهم بمنزلة الحل». - من فضائلها أن الله سبحانه وتعالى حفظ حدودها، حيث جدد عدة مرات، وقد جدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلامها في فتح مكة سنة 8هـ. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم، واعتنى بهذه الحدود الأعلام من بعدهم الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم من الخلفاء والولاة . - كما إن من فضائلها وجود جميع الفواكه بكثرة والبركة فيها بسبب دعاء إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم. - من فضائلها أنه يحرم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر البقاع لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا). متفق عليه. - من فضائلها أنها من المساجد التي تشد الرحال إليها فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه. - ومن فضائلها أن الله أخبر أنها أم القرى، فالقرى كلها تتبع لها. ولمكة المكرمة صفات تميزت بها عن غيرها من الأمكنة على سطح الأرض، وهي كما يلي: - في هذه الأرض وضع أول بيت للناس ليعبدوا الله سبحانه وتعالى فيه، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (96) سورة آل عمران. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟، قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الأَقْصَى)، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟، قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) متفق عليه، فإن قيل: المسجد الأقصى بناه سليمان بن داود وما بين سليمان وإبراهيم زمان يزيد على ألف، كما قال أهل التاريخ، فكيف تأويل هذا الحديث: فالجواب: أن سليمان إنما جدّده، ولم يكن أسسه، كما جدّد إبراهيم الكعبة، وأما أساسها فقديم من زمن آدم، فيجوز أن يكون أحد أبناء آدم بنى بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين عاماً، ثم دُرس كالكعبة، فجدده سليمان عليه السلام. الجامع اللطيف لابن ظهيرة (ص14). وجزم بهذا ابن القيم رحمه الله: «وأن الذي أسس بيت المقدس يعقوب بن إسحاق عليهما السلام بعد بناء الكعبة بأربعين عاماً، ثم إن سليمان عليه السلام جدده بعد خرابه». - إنها حرم الله تعالى، حرّمها الله سبحانه وتعالى ولم يحرّمها الناس، وأظهر تحريمها على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ثم أكّد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. - أن الكعبة المشرفة دعامة الإسلام، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا البيت دعامة الإسلام، ومن خرج يؤم هذا البيت – من حاج أو معتمر-كان مضموناً على الله عزَّ وجلَّ، إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة». - الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا أن طمس الله نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب» رواه الترمذي والإمام أحمد. - جعل أجر الصلاة في المسجد الحرام أجر مائة ألف صلاة، فعن أبي الدرداء وجابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» رواه البيهقي وصححه الألباني. وفي حديث لأبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام». متفق عليه. - كما جعل الكعبة البيت الحرام، والصفا والمروة، وعرفة ومزدلفة ومنى مركزاً لحج الناس، حيث يطوفون حول الكعبة، ويسعون بين الصفا والمروة، ويؤدون مناسكهم في عرفة ومزدلفة ومنى، كما ورد في القرآن الكريم {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (27) سورة الحج. - من فضائلها أن فيها بئر زمزم وماؤها مبارك وفيه شفاء، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إنها مباركة، وإنها طعام طعم» رواه مسلم - جعل سبحانه قصده مكفراً لما سلف من الخطايا والآثام، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). متفق عليه - من خصائصها أنه يحرم استقبال جهة الكعبة أو استدبارها عند قضاء الحاجة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا». متفق عليه - من خصائصها أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيد الحرم وقطع شجره وحشيشه في الحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها» رواه البخاري - ومن خصائصها أيضاً أنه لا يدخل فيه الكافر حيث حرم الإسلام دخول غير المسلمين في الحرم المكي الشريف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (28) سورة التوبة - من خصائصها أن كثيراً من الأنبياء طاف حولها وكذا أتباعهم كل يوم من عهد بنائها. - من خصائصها أن الله سبحانه وتعالى أوجب على كل مسلم قادر الحجّ إليها، والاعتمار وضاعف أجرها في شهر رمضان، كما أوجب تعظيم شعائر الله تعالى فيها {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (32) سورة الحج. - من خصائصها أنه لا يعلم في الأرض موضع يسن تقبيله، والاحتفاء به إلا حجرها. -من خصائصها أن فيها مصلى أمر الله عزَّ وجلَّ باتخاذه مصلّى قال تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (125) سورة البقرة. - من خصائصها أن الله سبحانه وتعالى قد دافع عنها، حيث حبس عنها الفيل، وأهلك جيش الغزاة. - من خصائصها أن الله سبحانه وتعالى ربط كثيراً من العبادات فيها بذكريات معلومة، وحوادث زمنية قديمة، فالسعي بفعل أم إسماعيل عليه السلام والرجم والنحر بفعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والرّمل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. - جعل الله تعالى في ماء زمزم غاية البركة، فهو أفضل ماء موجود في الدنيا، مجّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزاد بركة على بركة، فهو طعام طُعم، وشفاء سقم، بل هو لما شرب له وأنه يطفئ الحمى. وقد غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الماء عدة مرات، في ديار حليمة السعدية عندما كان صلى الله عليه وسلم صبياً، وفي وقت المعراج. - من خصائصها أن الإيمان يأرز بين الحرمين فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين، كما تأرز الحيَّة في جحرها» رواه مسلم. - من فضائلها أن المسجد الحرام أحد المساجد التي تشدّ الرحل إليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشدّوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى». متفق عليه. - من فضائلها أن من مات فيها بُعث يوم القيامة من الآمنين بإذن الله تعالى فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في أحد الحرمين؛ بُعث آمناً يوم القيامة». رواه الطبراني. - من فضائلها أن الله سبحانه وتعالى تكفل أهلها بإطعامهم مع أن بلادهم لا يوجد فيها زرع، وآمنهم من خوف، مع أن القبائل المحيطة بهم يخطف بعضهم بعضاً قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (3-4) سورة قريش - من خصائصها أن جوها تعطّر بنفسيه الطاهر صلى الله عليه وسلم، واختلط أثيرها بنبرات صوته الكريم، ولثمت أرضها جبهته صلى الله عليه وسلم الشريفة سجوده، وسعدت أوديتها بمشيه صلى الله عليه وسلم، وجبالها بصعوده صلى الله عليه وسلم وغار حرائها بتعبده صلى الله عليه وسلم، وتحنثه، وبنزول الوحي عليه فيه. - من خصائصها فضل بعض أوديتها مثل: وادي السُّرر فعن عمران الأنصاري قال: عدل إلي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة، فقال: ما أنزلك هذه السرحة؟ فقلت: أردتُ ظلها. فقال: هل غير ذلك؟ فقلت: لا، ما أنزلني إلا ذلك. فقال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنت بين الأخشبين من منى -ونفح بيده نحو الشرق- فإن هناك وادياً يقال له: السُّرر، به شجرة سُرّ تحتها سبعون نبياً. رواه الإمام مالك - من خصائصها أنه لا يطأها الدجال، حيث اختص الله مكة والمدينة بأن الدجال لا يدخلهما كما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة). متفق عليه - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما عقرت ثمود الناقة، وأخذتهم الصيحة، لم يبق منهم أحد إلا رجلاً كان في حرم الله عزَّ وجلَّ، فمنعه الحرم». فقالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال: أبو رغال أبو ثقيف، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه «. رواه الإمام أحمد هذه مكة، أقدس المدن عند المسلمين، ذكرت تاريخها بالاختصار، وكذا أسمائها وبعض صفاتها، موقع نزول الوحي، تضم المسجد الحرام والكعبة ومواقع أخرى.