×
محافظة بقعاء

طرق قوافل الحج قديماً وحديثاً - د. تنيضب الفايدي

صورة الخبر

امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامر يأتين من كلّ فج عميق} سورة الحج الآية 27. ظلّ المسلمون يأتون إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج عبر دروب مختلفة ومن أقطار شتى من العالم وكذا إلى المدينة المنورة والمسجد النبوي والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يأتون رجالاً أو ركباناً أي: على ظهور الجمال، في صورة فردية أو جماعية، ويتحمّلون جميع المصائب والصعوبات من أجل إقامة هذه الشعيرة (الحج)، لأن الحج قديماً كان صعباً جداً، حيث بُعد الطريق ووعورتها وكذا خطورتها بسبب الغدر والسطو والعدوان، وقلة الماء، وقلة الوسائل، وخلل في الأمن، انتشار الأمراض الفتَّاكة، فقديماً من كان يذهب إلى الحج يودع أهله وداعاً كأنه آخر لقاء معه ولم يرجع، وكان الحجاج يسيرون عموماً بشكل القوافل، ماشياً أو على ظهر الدواب، ولها طرق معينة وكذا جدول زمني محدد، وكانت عليها حراسات مشددة في مقدمة القافلة ومؤخرتها خوفاً من اللصوص وقطاع الطرق، حيث يترصدون الحجاج فينهبونهم وأحياناً يقتلونهم، إضافة إلى ذلك فقد كان السفر عبر هذه الطرق محفوف بالمخاطر والسيول والأمطار وشح المياه، كما أن القبيلة تأخذ رسوماً تسمى الإتاوة نظير الحماية من قطاع الطرق. وهكذا نشأت طرق كثيرة من كل جهة سميت فيما بعد بـ «طرق الحج» وقد تبنتها وعزّزتها وحمتها الخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عصر الدولتين الأموية والعباسية، ولم تكن هذه الطرق مجرد مسارات لعبور الناس، والدواب، والبضائع، بل كانت شرايين حياة، بها تواصل الناس، وانتقلت الأفكار، والطباع، والعادات، والتقاليد من مجتمعٍ إلى آخر. وقد أقيمت عليها الخانات والمحطات لراحة الحجيج، والبرك والسدود والقنوات لسقياهم، والقلاع والحصون للدفاع عنهم، وحفظ أمنهم، كما وضعوا العلامات لتحديد الطريق، وبنوا البرك وحموا المكان لرعي الدواب، كما حفرت الآبار لتأمين الماء للحجاج، وانتقل البريد عليها مرسلاً من قبل الخلفاء والأمراء لإدارة شؤون الدولة، وكانت هذه الطرق في فترة ازدهارها عامرة بالحركة والناس، إلى أن ضعفت الدولة القائمة فاختل الأمن، ثم اضمحل دورها حديثاً بتطور وسائل المواصلات، ولكن آثارها بقيت شاهدة على دورها الحيوي في سالف الزمان. وقد نشأت من تلك الطرق الفوائد الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعمرانية، بالإضافة إلى الأثر البالغ في صياغة مجتمعات إسلامية متلاحمة الأواصر، متقاربة العادات والتقاليد برغم تباعد ديارهم واختلاف لهجاتهم وأعراقهم، وقد حفظت المصادر التاريخية سبعة طرق رئيسية كانت تأتي من أنحاء الدولة الإسلامية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي: 1- طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة (درب زبيدة): يعدّ طريق الحج الكوفي الذي اشتهر في المصادر الإسلامية باسم (درب زبيدة) من أهم طرق التجارة والحج في العصر الإسلامي، وسبب تسمية هذا الطريق بدرب زبيدة؛ لأن لها أعمال كثيرة في إقامة بعض المنشآت على هذا الطريق، حيث يُنسب لها ما يقارب 11 محطة ومنـزلاً على الطريق. ولها أعمال جليلة حتى في مكة المكرمة ومن أهم أعمالها حفرها عين زبيدة التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم. هذا الطريق بدأ استخدامه منذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اختط الكوفة، لكن ذروة ازدهاره وعظمته بدأت في العهد العباسي عندما أصبح بغداد دار الخلافة وبعد انتشار الإسلام في الشرق استخدم هذا الطريق منظماً حيث جُهزت مناهل المياه وأماكن الرعي ومكان الاستراحات للقوافل، وهكذا بدأ الطريق يزدهر بالتدريج حتى وصل في العصر العباسي المبكر في أوج ازدهاره، نظراً لوجود الأمن، ولأنه أصبح حلقة اتصال مهمة بين عاصمة الخلافة للعباسيين في بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء الجزيرة العربية. ويبلغ عدد المحطات الواقعة بين الكوفة ومكة المكرمة حوالي 54 محطة، غير أن هذا العدد يتضاعف إذا أضفنا محطات أخرى أنشئت على امتداد الطريق في بعض العصور الإسلامية المبكرة والمتأخرة. ويصل طول الطريق الرئيسي لدرب زبيدة من الكوفة إلى مكة المكرمة حوالي (751) ميلاً، أي: حوالي (1276.7) أكيال، منها حوالي (134) ميلاً حوالي (227.8) أكيال في العراق، وباقي الطريق يمتد في الأراضي السعودية من محطة العقبة شمالاً وحتى مكة المكرمة بمسافة (617) أكيال. طريق فيد المدينة المنورة الفرعي: يعرف هذا الطريق في المصادر الإسلامية باسم (طريق الأخرجة) والأخرجة إما أن تكون المورد الذي يرده الطريق الذي يلي أبضة وتبعد عن فيد نحو (54) كيلاً، وإما هي جبل حول قرية تسمى الصفراء يسمى حالياً « جبل المشاركة» أو « جبل صفر المشاركة «. وهو يتفرع من طريق الكوفة (درب زبيدة) عند وصوله إلى بلدة فيد، حيث يسير باتجاه الأخرجة، ثم غمر مرزوق، والسعد، وبطن نخل، والشقرة، وبئر السائب حتى يصل إلى المدينة المنورة. قال صاحب كتاب المناسك في تسمية المنازل التي كان الناس ينزلونها بين فيد والمدينة قديماً وتعرف بطريق الأخرجة: من فيد إلى الأخرجة سبعة وعشرون ميلاً ونصف». وسمي بالأخرجة لوجود جبال ذات اللونين الأحمر والأسود، فالخَرَجُ لغوياً لونان سواد وبياض، نعامة خرجاء، ونعجة خرجاء: وهي السوداء البيضاء إحدى الرجلين أو كلتيهما والخاصرتين، وسائرها أسود، والخرجاء قرية في طريق مكة، سميت بذلك؛ لأن في أرضها سواداً وبياضاً إلى الحمرة. يقول ياقوت الحموي: «الأخرجان: ثنية الأخرج، من الخرج، وهو لونان، أبيض وأسود يقال: كبش أخرج، وظليم أخرج، وهما جبلان في بلاد بني عامر. طريق الرقة - المدينة المنورة: يعد الجغرافي ابن حوقل أول من أشار إلى هذا الطريق بقوله: « وأما طريق الرقة إلى المدينة فنحو عشرين مرحلة إلى جبل طيء». طرأ في بداية عام 1214هـ/1799م تحول في اتجاه مسار طريق الحجاج، حيث أصبحت مدينة حائل محطة رئيسة لقوافل الحجاج القادمة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن جراء تحول مسار الطريق برزت محطة العدوة بدلاً من محطة فيد، وأصبحت قوافل الحجاج تسير مباشرة من محطة لينة باتجاه الغرب إلى مدينة حائل، مروراً بعدد من المحطات والمناهل هي: خضراء، والبدع، وعرق المظهور، وتربة، وجديعاء، وغنم، والمياه، والشعيبات، وقاع بقعاء، وبعايث بقعاء، وضبيعة، والحميمة، ثم الجثامية، والنصبة. فروع الطريق: لطريق الحج بين الكوفة ومكة (درب زبيدة) فروع كثيرة تصل إليه من طرق رئيسية أخرى، منها: طريق النقرة إلى المدينة، الطريق الفرعي، طريق المدينة إلى معدن بني سليم، طريق الأتم، ولا مجال للتفصيل هنا. 2- الطريق البصري: هو الطريق الثاني في الأهمية حيث ينطلق من مدينة البصرة ماراً بشمال شرق الجزيرة العربية عبر وادي الباطن مخترقاً عدة مناطق صحراوية، ويمر بمنطقة القصيم، حيث تكثر فيها المياه العذبة والوديان الخصبة والعيون التي زادت من خصوبة تربتها وجعلتها صالحة للزراعة، ويبلغ طوله حوالي 1200كم وتقع على امتداد هذا الطريق سبع وعشرون محطة رئيسية بين البصرة ومكة المكرمة. منها أربع محطات تقع حاليًا ضمن حدود الأراضي العراقية والكويتية وهي: المنجاشية، والحفير، والرحيل، والشجي. أما باقي محطات الطريق فتقع حالياً في أراضي المملكة العربية السعودية، في النطاق الجغرافي لمنطقة القصيم، حيث يبدأ من النباج (الأسياح) الواقع في الجزء الشرقي من منطقة القصيم، وينقسم إلى فرعين: الأول يتجه إلى مكة المكرمة مروراً بالصريف والعوسجة ثم القريتين ورامة وإمراة وطخفة حتى ضرية في غرب القصيم، أما الفرع الثاني من الطريق البصري فيتجه غرباً إلى المدينة المنورة، ويبدأ من النباج باتجاه الحنادر ثم عناب والقوارة، ومنها باتجاه الغرب جاعلاً جبل قطن على يمينه مروراً بالقرب من جبلي أبان وطمية حتى يصل إلى النقرة، حيث يلتقي فيها مع طريق الحج الكوفي (درب زبيدة). وقد ذُكرت تلك المحطات نظماً، حيث ذكرها الحربي مطولة. 3- طريق الحج المصري: هذا هو الطريق الذي تسلكه قوافل الحج والتجارة والبريد من مصر إلى مكة المكرمة، وهذا الطريق - الطريق المصري - لم يكن للحجاج المصريين فقط فهو دروب لحجاج ليبيا وتونس والمغرب، حيث يسير حجاج مصر ومن رافقهم من حجاج المغرب والأندلس وإفريقيا من بلادهم متجهين إلى شبه جزيرة سيناء للوصول إلى أيلة، وهي إحدى نقاط الاستراحة للحجاج والمسافرين، تقع في نهاية الطريق إلى البحر الأحمر عند خليج العقبة، حيث يلتقي حجاج بيت الله ويتجمعون من شمال أفريقيا ومصر والشام، وبعد ذلك يستمرون في سيرهم، فبعضهم يتخذ الطريق الساحلي الذي يمتد حتى « الجار» وهي الميناء التاريخي القديم للمدينة، ومن الجار يستطيع الحجاج الوصول إلى المدينة أو يستمرون في السير إلى مكة عن طريق « الجحفة». وقد ذكره الجغرافيون العرب هذه الطرق ومحطاتها والمسافات بينها محددة بالفراسخ والأميال، ومياه الطرق وغزارتها وندرتها، وعذوبتها، وملوحتها. مع نزول الحجاج إلى ينبع بحراً أصبح هناك طريقان يسلكهما الحجاج إلى المدينة المنورة، وذلك يعتمد على الحالة الأمنية نظراً لاعتراض بعض القبائل لقوافل الحج عند عدم صرف المقررات المخصصة لهم. والطريقان هما: الأول (الطريق السلطاني) والثاني: طريق الطريف (طريق فرعي). طريق الوجه: قد يتم تغيير مسار الطريق لأسباب أمنية عند اعتراض رجال بعض القبائل لطرق القوافل، ومن هذه الطرق طريق الوجه وهو حسب الآتي: الوجه - الخوتلة (الخوثلة) - مثر (مطر) - العقلة - الفقير - السبخة - آبار الحلو (أبي الحلو) - شجوى - المليليح - بئر الظعيني - آبار عثمان - المدينة. وظل الطريق البري الساحلي في خدمة قوافل الحجاج المصريين حتى عام 1310هـ، وبعد هذا التاريخ عاد الحجاج المصريون مرة أخرى إلى السفر بحراً من السويس إلى جدة على ظهر السفن البخارية والشراعية. 4- طريق الحج الشامي: سمي طريق الحج الشامي باسم التبوكية نسبةً إلى بلدة تبوك التي يمرّ عليها. تمتد تاريخ هذا الطريق إلى الفتح الإسلامي لبلاد الشام حيث سارت على هذا الطريق جيوش الفتح الإسلامي المتجهة إلى بلاد الشام، فسلك جيش أسامة في عهد أبي بكر رضي الله عنه طريق الشام، ومر على ذي المروة ووادي القرى، كما سلكت على هذا الطريق جيش يزيد بن أبي سفيان, جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح، وجيش سرحبيل بن حسنة، كما سلك هذا الطريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع عشرة للهجرة حيث خرج من المدينة يريد الشام، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سارت على الطريق القوافل الأولى للحجاج الشاميين. وخلال العصر الأموي شهد طريق الحج الشامي فترته الذهبية الأولى حين أصبح الطريق الذي يربط مكة والمدينة العاصمتين الدينيتين بدمشق العاصمة السياسية للدولة الإسلامية، وقد سار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على هذا الطريق ثلاث مرات خلال خلافته، وقد نال هذا الطريق في عهد الوليد بن عبد الملك بالكثير من الإصلاحات، كما قام عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد ببناء عدد من المساجد التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك، كما نال رعاية خاصة من الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. وفي العصر العباسي نظراً لنقل عاصمة الخلافة إلى العراق فلم يجد هذا الطريق اهتمام يذكر. ثم في القرن الخامس الهجري قد مر الطريق الشامي بفترة حرجة في تاريخه بسبب وجود الصليبين في بلاد الشام، فقد كان الصليبيون يهددون أمن الطريق ويهاجمون قوافل الحجاج التي تسلكه من قلاعهم في الكرك وغيرها واستمرت ممارساتهم إلى أن سقطت قلعة الكرك في يد صلاح الدين سنة 584 هـ / 1188م. و بوصول الأيوبيين عاد النشاط والاستقرار إلى الطريق، ونال اهتماماً كبيراً من ملوك دمشق الأيوبيين. ويعد الملك المعظم عيسى بن أيوب أكثر حكام دمشق اهتماماً بالطريق، وكان والده ضم إليه الكرك والشوبك وتبوك والعلا، وهو الذي أمر ببناء بركة المعظم وبرك أخرى، كما سير من مسح الطريق بين دمشق وعرفات وأمر بتسهيل مواضع كانت وعرة. وقد شهد طريق الحج الشامي ازدهاراً كبيراً في العصر العثماني، حيث بني عليه كثيرٌ من القلاع والبرك والآبار، ويوجد على جزء الطريق الشامي الواقع في منطقة تبوك عددٌ من المعالم والمباني الأثرية منها: علم الطريق بحالة عمار، وقلعة ذات حاج، وبرك عين تبوك، وقلعة تبوك، وبئر الأخضر، وبقايا قلعة الأخضر، وقلعة المعظم، وبركة المعظم وبركة الدار الحمراء وبقايا قلعتها، إضافة إلى ذلك بعض مواقع النقوش والكتابات على طول مسار الطريق. 5- الطريق اليمني: يصل الحاج اليمني إلى مكة المكرمة من أربعة طرق رئيسة، هي: الطريق الساحلي، والطريق الداخلي، أو الأوسط، وهما يمران بتهامة، والطريق العليا الذي يمر جزء منه بجبال السروات على الأطراف الشرقية لمنطقة مكة المكرمة، وأخيراً الطريق المعروف باسم (درب العصبة)، الذي يمرّ بجبال السروات. الطريق الساحلي: أول جزء من منطقة مكة المكرمة يمر به هذا الطريق، يبدأ من حلي بن يعقوب، ثم يبة، ثم قنونا، ثم الأحسبة، ثم قرماء، ثم دوقة، فالسرين (الواديين) أو (الشاقتين) ليلتقي مع الطريق الداخلي فيها، ثم يفترقان كل في جهة، إذ يسير الساحلي جنوب عليب ثم خلية، ثم الليث (الرياضية)، ثم يتفرع إلى فرعين، أحدهما يتجه إلى مكة المكرمة ماراً بالهضب، ثم سعيا، ثم السعدية (يلملم)، ثم إدام، ثم البيضاء، ثم ملكان فمكة المكرمة، والآخر يتجه على الشعيبة، ثم جدة، ومنها إلى مكة المكرمة. وأوضحت المسوحات والدراسات الأثرية الحديثة عددًا من المواقع الأثرية التي كانت عامرة في العصور الإسلامية المبكرة، ومن أهم هذه المواقع سهى وعثر وعشم والسرين. وكشفت الدراسات عن الآثار المعمارية إضافة إلى أدوات فخارية وخزفية ونقوش خطية وغيرها. بلغت المحطات على هذا الطريق بين صنعاء ومكة 21 محطة رئيسية. الطريق الداخلي: يتوسط المنطقة الواقعة بين البحر والجبال، ويعرف بأسماء عديدة منها: (دروب المخاليف)، و(الجادة الوسطى) و(الدرب السلطاني)، يبدأ الطريق من تعز، ويمر بذات الخيف، فموزع، ثم الجدون، ثم حيس، ثم زبيد، إذ تتجمع فيها القوافل التي تسلك طريق الجادة السلطانية، ومنها تنطلق في سيرها إلى مكة المكرمة مارة بفشال والضنجاع، والقحمة، والكدراء والمهجم، ومور، والواديين، والساعد، وتعشر، وجازان، والهجر، وبيش، إلى ضنكان، ومنها يتجه الطريق إلى المقعد فحلي العليا ثم يبه ثم قنونا، ثم عشم، ثم دوقة فإلى السرين حيث يلتقي بالطريق الساحلي، ومنها يفترق في مساره الداخلي إلى الليث، فالخضراء، ثم سعيا، فيلملم ميقات أهل اليمن حتى مكة المكرمة. بلغت المحطات على هذا الطريق بين صنعاء ومكة 25 محطة رئيسية. الطريق الأعلى: يعرف باسم الطريق الجبلي، ومركز انطلاقه صنعاء ويتجه الطريق إلى صعدة، ومنها إلى العرقة، ثم المهجرة، ثم أرينب، ثم سروم الغيض، ثم الثجة، ثم بيشة ومنها إلى تبالة، فالقريحاء، ثم كرى، ثم تربة، ثم الصفن، ثم العنق، ثم رأس المناقب، وهي منتهى الطريق في اتجاه الشمال، وينحرف في سيره صوب الغرب إلى قرن المنازل (ويسمى حالياً السيل الكبير)، وفيه يلتقي مع طريق زبيدة المتجه إلى مكة المكرمة. وهو ميقات أهل اليمن الذين يمرون من تلك الجهة، ويتجهون محرمين صوب مكة مجتازين الزيمه، والطائف عن طريق السيل. من أهم الطرق التي كانت مفضلة لدى الحجاج القادمين من طريق اليمن الطريق الذي يمر بشمال اليمن ويخترق منطقة عسير الجبلية إلى أن يصل إلى الطائف ثم إلى مكة المكرمة، وعلى الرغم من أن الطريق يجتاز مناطق ذات طبيعة تضاريسية صعبة، إلا أنه كان مفضلا للحجاج وغيرهم لأنه يمر عبر أراض خصبة دائمة الخضرة وقرى وبلدات تتوافر فيها المياه ويكثر بها الغذاء. ويعد هذا الطريق من أشهر الدروب تاريخياً وحضارياً، ومن المحتمل أن تاريخ بداية استخدامات هذا الدرب وتطوره يقع في بداية الألف الأول قبل الميلاد وهي الفترة التاريخية التي شهدت الزيارة الشهيرة للملكة بلقيس إلى الملك سليمان. وعندما أضحى الميزان التجاري في متناول يد المجتمع المكي، شهد هذا الطريق نشاطات تجارة قريش المشهورة تاريخياً والمتمثلة في رحلتي الشتاء والصيف. وقد استخدم في بداية الدولة الإسلامية هذا الطريق من قبل بعض الجيوش والسرايا الإسلامية المتجهة من منطقة الحجاز إلى المناطق الواقعة إلى الجنوب. وتقع عددٌ من المحطات في منطقة عسير. طريق العصبة: يعرف عند الأهالي باسم: درب العصبة، وهو طريق جبلي سلكه حجاج اليمن، يمر بجبال السروات فيما بين الطائف والباحة، مروراً ببني مالك، ثم ثقيف، ثم بني الحارث، ثم بني سعد، ثم ثمالة، ثم لية، ومنها إلى الطائف، ومن الطائف يتجه الطريق من قرن المنازل ليتفرع إلى فرعين، أحدهما عن طريق حمى النور، والآخر يتجه إلى الهدا، ثم جبل كرا، وفيه طريقان: أحدهما للجمالة، والآخر للمشاة، حيث يهبط منه الحاج إلى الكر ثم وادي نعمان، ثم عرفة، ثم وادي عرنة، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم حوض البقر (العزيزية)، فمكة المكرمة. ومن دروب الحاج أيضاً درب الحبّ، وهو الطريق بين مكة المكرمة وجدة، ويبدأ من بلدح بأسفل وادي فخ، ثم يمرّ على الحديبية، ثم حداء بأسفل مر الظهران (وادي فاطمة)، ثم بحرة، ثم أم السلم، ثم جدة. 6- الطريق العماني: هناك طريقان من عمان إلى مكة, أحدهما يتجه من عمان إلى يبرين, ثم إلى البحرين, ومنها إلى اليمامة, ثم إلى ضرية, وتشير المصادر الجغرافية إلى أن ضرية كانت ملتقى حجاج البصرة والبحرين, حيث يفترقون بعدها إذا انصرفوا من الحج، فيتجه حجاج البصرة شمالاً وحجاج البحرين باتجاه اليمين. 7- طريق الحج البحرين - اليمامة -: يعد طريق الحج البحرين (اليمامة) إلى مكة المكرمة رافداً مهماً من روافد طريق حج البصرة, لما له من أهمية، إذ أنه يعبر الأجزاء الوسطى من الجزيرة العربية, ماراً بالعديد من بلدانها وأقاليمها, ويربط بين الحجاز والعراق مركز الخلافة العباسية، وقد حظي حجاج هذا الطريق برعاية الدولة الإسلامية وخصوصاً في توفير الخدمات المهمة, وحماية الحجاج السائرين عليه من أي اعتداء يقع عليهم من قطاع الطرق. وأشار الجغرافيون المسلمون الأوائل إلى التقاء طريق اليمامة مع طريق حج البصرة إذ لليمامة طريقان إلى مكة, طريق من القريتين، وطريق على مرات وبعد التقاء طريق البحرين بطريق البصرة في ضرية, يمر الطريق عبر محطات جديلة, وفلجة، والدفينة، وقبا، ومران، ووجرة، وأوطاس، وذات عرق، والبستان، حتى يصل إلى مكة المكرمة. هذه هي سبعة طرق رئيسية للحج اشتهرت، ولقيت عناية فائقة من قبل الخلفاء المسلمين والأمراء والوزراء والأعيان ومن محبي الخير التجار والوجهاء على مرّ العصور، وبعضها استمر استخدامه حتى عهد قريب، والبعض الآخر اندثر بسبب الظروف المناخية والاقتصادية والهجرات السكانية. أقيمت على طرق الحج منشآت عدة مثل المحطات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات ومساجد وأسواق كما أقيمت على هذه الطرق الأعلام والمنارات والأميال التي توضح مسار تلك الطرق وتفرعاتها. إن الآبار لها دورٌ كبير في تأمين المياه لسالكي هذه الطرق، لذا حفرت آبار كثيرة في المحطات من قبل الخلفاء والأمراء ومن محبي الخير، وما تبقى من الآثار لها خير شاهد عليها. الحج حديثاً: أما الآن فأصبح الحج ميسراً لكلّ من أراده ولله الحمد والمنة، وذلك لوجود وسائل النقل الحديثة، فمهما بعدت المسافات فهو خلال ساعات معدودة يستطيع الوصول إلى بلاد الحرمين الشريفين، ومن جهة أخرى نفذت المملكة العربية السعودية بكل طاقاتها الخدمات المختلفة في جميع المجالات لخدمة ضيوف الرحمن، من توسعة الحرمين الشريفين إلى توسعة المشاعر المقدسة مثل: جسر الجمرات، وقطار المشاعر بشكل يفتخر به كل مسلم، ومن ناحية وسائل النقل وآخرها قطار الحرمين من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، وتأمين الماء البارد في كل مكان، والمواد الغذائية، والسكنى المناسب، وتبريد المشاعر وطرقها، وكذا من ناحية الأمن والأمان، وأيضاً من ناحية الخدمات الصحية حيث كلها تقدم مجاناً، وهكذا بعد فضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهود المملكة أصبحت رحلة الحج والعمرة سهلة جداً حيث لا يحتاج أي تعب أو خوف من أحد، جزى الله خير الجزاء القائمين عليها. بعض المراجع: الكامل لابن الأثير، الذهب المسبوك للمقريزي، المناسك للحربي، معجم البلدان للحموي، كتاب البلدان لليعقوبي، أسماء تهامة للسلمي، أحسن التقاسيم للمقدسي، الدرر للجزيري، المسالك والممالك لابن خرداذبة، طريق الحج البصري لـ: عوض السرور، مشروع درب زبيدة لـ: جيمس كنوسدتاد، المصور الفريد لـ: عوض السرور، درب زبيدة للراشد، طريق الأخرجة للشائع، طريق الحج البصري للعتيبي، آثار منطقة القصيم، الآثار الإسلامية للغبان، دراسة أثرية للثنيان.