على مدى العصور تُعتبر موائد الأطعمة والمأكولات بجميع أصنافها، شاهدة كغيرها من الشواهد على وجود الإنسان في مختلف الحضارات وتعدد الأعراق، ولو تكلمنا عن الأكلات القديمة منذ عدة قرون في مناطق المملكة لوجدنا أنها كانت تنحصر في عدة أصناف تـتـقارب في مذاقها وطعمها، وتختلف في مسمياتها وطرق إعدادها وتحضيرها وتقديمها؛ وذلك حسب الموروثات التاريخية والجغرافية لكل منطقة، ويتعدى ذلك عدة عوامل من أهمها البيئة التي يعيش فيها الإنسان وطبيعة الأرض والثروة الحيوانية والعادات والتقاليد الخاصة بكل منطقة، ولو تحدثنا عن منطقة الباحة لوجدنا جغرافيتها الإقليمية لها دور كبير في تشكيل الثقافة الغذائية سواء في السراة أو تهامة، وتظهر سمات تلك الثقافة واضحة جلية في أعداد الأكلات الشعبية لذلك أهالي السراة يفضلون عمل الخبيز (الخبزة)؛ وذلك لتوفر إنتاج القمح والبر وأهل تهامة يفضلون طريقة العصد بالعرك والتحريك، وهو ما يُسمى (العيش) لكثرة إنتاج محصول الذرة بأنواعها، وكما يُقال الجود من الموجود، وصناعة الأكل بهذه الطريقة وخاصة (الخبزة والعيش) تُعتبر خيرًا معينًا لما عُرف عنهم من كرم أصيل؛ لأن الأكلة الواحدة منهما تكفي لأربعين شخصًا وأكثر وعادة ما يتنافس أهالي الباحة في عمل أكبر خبزة أو صحفة عيش، ومن أشهر ما تتميز به المنطقة (الخبزة المقنّاة)؛ ولذلك وجه أمير منطقة الباحة الدكتور حسام بتعميم أكلة الخبزة المقنّاة، في جميع مهرجانات وفعاليات المنطقة، وذلك بعد تصنيفها من وزارة الثقافة من خلال هيئة فنون الطهي كطبق رئيس، وذلك لكونها أكبر رغيف خبز وأشهر ما تتميز به المنطقة وخير ما يقدم للضيف وما يجده السائح. ونتعرف على طريقة عملها وتسمية أجزائها وأنواعها، وكما هو معلوم الخبزة عبارة عن عجينة دقيق البر بالماء، وقد يُضاف لها بعض البهارات كالسنوت والحلبة والثفا، ثم توضع على حجر دائري مسطح الشكل ورقيق يسمى (صَلاه)، بعد أن يُحمى فوق النار يوضع على الجمر المتكون ثم يشب عليها النار من فوق العجين بواسطة حطب الشث اليابس، ويسمى (قُنى) حتى تتكون القشرة العليا ثم يوضع عليها الرماد الحار، وتترك لمدة ساعة حتى تستوي، وإذا عملت تحت المكب أو المشهف سميت (الخبزة المكبوبة أو المشهَفة)، ويعتمد كبرها وصغرها حسب المناسبة وإذا عملت صغيرة سميت حُنة، وإذا عملت على الصاج بجانب النار على شكل قرص دائري وكانت رقيقة سميت “مشَرّق”، وإذا كانت العجينة لينة وطرية سميت “مخووض”، وهي وجبة سريعة، وإذا فتّة الخبزة وقطعت قطعًا صغيرة وخلطه بالسمن والعسل سميت فتة أو عريكة، وتؤكل الخبزة مع المرق أو السمن والعسل وأيضًا مع القهوة والشاهي خاصة عند العمل؛ لأن مدة حفظها أطول، يتم أكل الخبزة بعد أن تقطع أجزاء مثلثة في حجم الكف تسمى شتفة جمعها شتاف أو شترة، وطريقة أكلها تؤخذ قطعة صغيرة من اللب وتحرك في اليد على شكل دائرة ثم تجوف بأصبع الإبهام وتغمس في المرق حتى تمتلئ ثم ترفع بسرعة إلى الفم وتسمى “خفسة”، ويسمع لها صوت عند وضعها في الفم يسمى (رشيف). ومن نوادر ذلك أن أحدهم حل ضيفًا على شخص واختفس خفسة كبيرة وكانت المرقة حارة جدًا، وعندما وضعها في فمه وجدها حارة جدًا، ولكنه أصر على بلعها حتى دمعت عيناه وعندما شاهده المضيف قد تغير شكله ودمعت عيناه قال ما بك قال تذكرت حياة الشيبة (يقصد والده) ثم أخذ المضيف خفسة أخرى حارة ووضعها في فمه، ودمعت عيناه قال الضيف ما بك؟ قال تذكرت حياة والدك. أما عن أسماء أجزاء الخبزة فهي: الشُتفه: وهي الجزء المقطوع من الخبزة، اللُبه: الجزء الداخلي اللين، القُراشه العليا: وهي الطبقة العليا من الخبزة قشرتها لينة، القُراشه السفلى: وهي الطبقة الملامسة للصَلاة وتكون صلبة، الحُفاف: أطراف الخبزة، الحثار: الفتات الصغيرة الذي يبقى بعد الأكل. والجدير بالذكر أن المواطن أحمد حسن الشيوخ تحت رعاية لجنة التنمية بالأطاولة قام بتحطيم الرقم القياسي بصناعة أكبر رغيف خبز يتكون من عشرين مُدًا ما يُعادل مئة كيلو وبقطر مترين، وهو جهد يشكر عليه ولعله بذلك يدخل موسوعة غينيس لتحطيم الأرقام القياسية…ختامًا “الخبزة المقنّاة” سيدة مائدة سراة منطقة الباحة. – محافظة المندق