بعد صلاة الفجر في عاصمتنا الحبيبة الرياض أحببت أن أحوم كـتحويمة الطائر على أحيائها الممتدة، وشوارعها الفسيحة، وأبراجها العالية، وأسواقها المنتشرة، ومعالمها الجميلة، خاصة في هذا الوقت الذي اخترته بعيدًا عن زحام السيارات، فماذا وجدتُ؟! تبادر إلى ذهني أن الحياة الحقيقية نجدها في البشر، هؤلاء البشر الذين تدور في دمائهم الحياة، فـيحيون كل جماد، ويشعلون ضوء النشاط في كل شبر من الأرض، ويحركون الأرض بكل ما احتوت من دور وقصور، وبدونهم هي جمادات لا تتحرك. مدرجات الملاعب بلا جمهور لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وعلى مستوى المناسبات والأفراح هناك وقت ما قبل حضور المعازيم بساعة هو في حقيقته بارد وسامج، وفي الأسواق بدون المتسوقين مشاهد صامتة، كذلك الحفلات ودور السينما إن لم يوجَد عدد كبير تكون مملة وغير مؤثرة. هكذا البشر، هم الذائقة الحقيقية للحياة، وبدونهم الحياة صامطة، ولا أثر فيها ولا تأثير. إذا كان الناس هم من يزينون الحياة، ويجعلون لها قيمة؛ فلماذا يقتل بعضهم بعضًا، وينتصر المعتدي على المظلوم، وكأن هذا الانتصار مفخرة، بل يرى فيه من المتعة وحب إعادة الكرَّة الشيء الكثير من البروز وحب الانتقام! لماذا لا يسود في عالمنا حب العدل والاعتدال الذي نحن البشر فيه نمثل أيقونة الحركة، وديباجة التأثير، ومصنع القرار؟! الجمادات والكيانات لا تسود، من يسود هم البشر، ونخبة منهم أصحاب حركة، وتأثير، وقرار!! ومن كومة كل هذه الحروف والكلمات نخرج بقيمة الإنسان.. هذا الإنسان المتعدد؛ يقال لهم: بشر، هؤلاء البشر.. هم ملح الحياة، وبدونهم لا قيمة للحياة، فإذا كانت قـيـمـة الحياة هم البشر فعلينا أن نركز على الدورة البشرية، ودورها في الحياة، بقصد الإثارة والتأثير وبقاء الأثر.. الإثارة في الإحياء، والتأثير في الأحياء، والأثر في الحياة!!