×
محافظة بلجرشي

جنون إهمال وتجاهل زوال مدرجات مناطقنا الجبلية المطيرة

صورة الخبر

- الابتكار هو فرس الرهان، والذي نسعى عالميا إلى أن نمتطي صهوته لنتمايز في سباق سوق المنافسة المحتدمة، فهو يعتبر من أبرز الموارد المعرفية، ويحظى بالاهتمام الأكبر لما له من تأثير إيجابي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. - بالأمس، رعى وشرف، صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز ، أمير المنطقة الشرقية «يحفظه الله» حفل جائزة الابتكار السنوي الأول «ابتكر المستقبل» بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، لتكريم المبتكرين المبدعين من أبناء الجامعة، فقد حققت قفزة مشرفة في عدد الابتكارات بلغت ٤٢٨ ابتكاراً مسجلا و ٢٥٢ ممنوحا خلال سنوات قليلة من عمرها، لتدخل السباق والمنافسة مع نظيراتها من جامعات المملكة. فهذا القطاع يشهد تطوراً لافتا، خصوصاً في ظل رؤية 2030 والتي من أهدافها تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، فقد شملت عدة مبادرات وبرامج لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال والتحول نحو الاقتصاد المعرفي. فالمملكة بفضل هذه الجهود تقدمت 18 مركزا «من المرتبة 66 عام 2021 إلى 48 من بين نتاج 132 دولة لعام 2023» على مؤشر الابتكار العالمي للأمم المتحدة.- هذه القفزات والتقدم كان للجامعات في المملكة دور محوري، فقد ساهمت وبشكل متفاوت فيما بينها في خلق بيئة محفزة وداعمة لتطوير جيل جديد من المبتكرين لمواجهة التحديات الصناعية والمجتمعية، فقد دأبت على دعم المشاريع المبتكرة من خلال تحفيز البحث العلمي ماليا ومعنويا وتعزيز ذلك ببرامج دراسية ودورات متخصصة تركز على الإدارة الابتكارية، وعملت على تأسيس حاضنات ومسرعات أعمال وتوفير الموارد اللازمة لتطوير الأفكار الريادية، وكذلك توفير مساحات عمل مشتركة لتشجيع التعاون بين الطلاب والأساتذة. وكذلك تنظيم مسابقات وفعاليات تروج للابتكار كالهااكاثونات. وتقديم استشارات قانونية لحماية الملكية الفكرية والمساهمة في تسجيل البراءات. وإشراك الطلاب في مشاريع بحثية تطبيقية ومبادرات تعاونية مع مختلف الصناعات.- من الطبيعي أن يواجه قطاع الابتكار تحديات منها ضرورة وجود تعاونات دولية ومحلية مشتركة لتقدم خبراء وممارسين متخصصين تدعم هذا المجال. وبما أن هذه المفاهيم والممارسات جديدة في المملكة، نحن بحاجة إلى تطوير مناهج دراسية مخصصة في القطاع التعليمي لتدريب طلاب في مقتبل أعمارهم استثمارا للمستقبل، أيضا يعتبر التمويل والاستثمار، أحد التحديات الأهم؛ حيث إن عملية الابتكار عملية بعيدة المدى، ولا تظهر نتائجها إلا بعد فترات طويلة، لذلك توجد هناك صعوبة في التبني ماليا لهذه الإبداعات. أضف إلى ذلك الحاجة إلى التنسيق فيما يخص تطبيق الابتكارات على مختلف القطاعات بما يضمن تنفيذاً متوازنا يحقق أهدافه، ضمانا لمخرجات متوازنة تحقق أهداف الرؤية المباركة. - خلاصة القول، الامتنان كله لمبتكري المستقبل وقيادات الجامعات، وكلي أمل لتضافر الجهود ووضع الحلول للتغلب على تحديات قطاع الابتكار وتحسين سير النمو، ومباشرة الدعم اللامحدود من هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، وعلى أن تعمل مع الجامعات جنبا إلى جنب لمواجهة التحديات وتذليلها والتعرف على واقعها وطبيعة ممارساته، وتوحيد الجهود للخروج بأفضل المخرجات المرجوة، تحقيقا لهدف أن تكون المملكة ضمن أفضل 10 دول في مؤشر الابتكار العالمي في المستقبل القريب. جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل عوامل مؤلمة تواجه المدرجات بشقيها المملوك لأفراد أو المنتشر في البيئة الجبلية التي كانت مملوكة بشكل جماعي، تحت نظام «الحمى»، ساد عبر العصور بين القبائل. حافظ على البيئة بقوانين حازمة، عززت حمايتها وصيانتها واستثمارها وتنميتها عبر القرون. زال بعض هذه المدرجات مع الزمن بسبب الكثير من العوامل، أهمها الإهمال وغياب الإنسان التراكمي عنها. يشتد ويهبط منذ زمن الفتوحات الإسلامية. المشكلة والتحديات التي توجه المدرجات حاليا، في جزء منها، يعود إلى طبيعة موقعها داخل الشريط المطير على قمم جبال جنوب غرب المملكة. شريط ضيق العرض معظمه لا يتجاوز 3 كيلو متر. يمتد من الطائف حتى أقصى نقطة جنوبية. عبر التاريخ كان الخزان البشري، بسبب استدامة أمطاره، ومهارة استثمارها لصالح البقاء. لأهميته خصصت له ثلاثة كتب وما زلت أكتب عنه. وجدت بالبحث والتقصي أن جميع القرى التاريخية، والتجمعات السكانية تقع داخل هذا الشريط المطير المحدود المساحة، باستثناء موقعين هما قرية بيشة التاريخية في منطقة عسير، وقرية العقيق التاريخية في منطقة الباحة. هذه الظروف، مع غيرها، جعلت التنمية المباركة تتركز داخل هذا الشريط المطير المهم مائيا، فهو أيضا الخزان الاستراتيجي للمياه الجوفية المتجددة، ويفيض منه الماء إلى الشرق بفعل ميول وانحدار الطبقات الصخرية النارية الصماء الحاملة للمياه الجوفية. وتمتد هذه الصخور تحت سطح الأرض حتى تصل على عمق أكثر من 5 كيلومترات تحت محافظة الأحساء على الخليج العربي. مع التنمية في هذا الشريط المطير بجميع المناطق تحولت القرى التاريخية إلى مدن وأحياء حديثة. تنمية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. بدأت بزخم هائل منذ مرحلة الطفرة الأولى عام (1975). كانت طفرة توسعات مكثفة على حساب المدرجات الحجرية، والتربة الزراعية النادرة، والغابات والغطاء النباتي المحدود. توسعات أنهت وجودها في مناطقها. على سبيل المثال، أجد في منطقة الباحة المطيرة، وهي المنطقة الإدارية الأصغر في المملكة بمساحة 12 ألف كيلو متر مربع، خير نموذج لتوضيح مشكلة جور التنمية على وضع المدرجات، والتربة الزراعية، والغابات والغطاء النباتي، حيث تتركز التنمية في شريطها المطير الضيق والصغير. كنموذج وجدت المتنزهات قامت على حساب تدمير وهدم المدرجات التاريخية، منها: متنزه غابة رغدان، متنزه القمع، متنزه خيرة. هذه المتنزهات السياحية تجاهلت وظيفة المدرجات في تغذية المياه الجوفية وحفظ التربة الزراعية النادرة. غاب الفكر البيئي أيضا عن مشاريع تأسست على تجريف المدرجات. منها مشاريع مخططات الإسكان، وخير نموذج أيضا في منطقة الباحة مشروع إسكان القمع، والشطيبة، ومشروع إسكان جديد تم تأسيسه في غابة «الخالف» بمحافظة بلجرشي. وأيضا مشروع بناء المسلخ وساحاته وملحقاته في هذه المحافظة. وهناك أخرى كثيرة في جميع مناطقنا المطيرة، جنوب غرب المملكة. كان يمكن.. أو هذا ما كان يجب أن يكون عليه الوضع.. الخروج بالتنمية من منطقة المدرجات والشريط المطير إلى مناطق خالية من المدرجات والغابات. وخير مثال لهذا الوضع المثالي نجده أيضا في منطقة الباحة. حيث تم توجيه بعض التنمية نحو امتداد مدينة العقيق الواقعة خارج مساحة الشريط المطير والخالية من المدرجات والغابات. هناك أيضا مخطط العسلة الجديد في محافظة بلجرشي، قام على سفوح جبال خالية من المدرجات والتربة الزراعية، كان يمكن تعميم ذلك على جميع المشاريع التنموية في جميع مناطقنا المطيرة جنوب غرب المملكة. غاب الفكر البيئي في المراحل السابقة، فغابت حسابات سلامة البيئة، لماذا يستمر الغياب وإلى متى؟ ندمر المدرجات، نجتث الغابات، نجرف التربة الزراعية النادرة، نقضي على النظم البيئية والمائية والزراعية التقليدية. إنها من مؤشرات التصحر العلمية. الجهل بأهمية الشيء لا يعطي حق القضاء على هذا الشيء. ويستمر الحديث بعنوان آخر. @DrAlghamdiMH