أدت جموع من المصلين بعد صلاة العصر يوم الثلاثاء 1445/3/18 هـ صلاة الجنازة على المرحوم -بإذن الله- الوجيه حمد بن عثمان البليهي المولود بمحافظة الشماسية عام 1365هـ المحافظة الواقعة جنوب شرق مدينة بريدة والتي كانت تبعد عن وسط بريدة بخمسة وأربعين كيلومترًا، وحين استقرت الأحوال السياسية بالمملكة العربية السعودية بفضل الله ثم موحد البلاد الملك عبدالعزيز ومن بعده أبنائه ملوك هذه البلاد الميامين تغيرت بلدة الشماسية وأصبحت محافظة تتوفر فيها جميع الخدمات، وصارت ترتبط بطرق أسفلت تربطها بالمناطق الأخري ومنها ذلك الطريق الذي نُفذ في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز والذي يربط العاصمة الرياض بمنطقة القصيم والغربية ومنطقة الشمال مروراً بالشماسية. ومحافظة الشماسية من البلدان التي تقع شرق بريدة والتي تجلب إنتاجها ومحاصيلها الزراعية إلى بريدة من أيام كان أميرها حسن المهنا ومن قديم الزمان، ويقال إن أحد المشايخ ذكر للأمير حسن أنه يجب التفريق في نصاب الزكاة بين القرى التي تقع غرب بريدة وشرقها، فالقرى الواقعة شرق بريدة يستدبرون الشمس عند ذهابهم إلى بريدة وفي الذهاب إلى بلدانهم يستدبرونها بينما القرى الواقعة غرب بريدة فإنهم يستقبلون الشمس في ذهابهم إلى بريدة يستقبلونها وقت العودة لقراهم. وقد نصح الشيخ الأمير ليفرق في الزكاة بين الفريقين، فأصحاب المزارع التي تقع غرب بريدة هم أكثر ضررًا من المزارعين الذين يجلبون إنتاجهم من الشرق، ولهذا يجب أن تكون زكاة الغربيين أقل من المزارعين الشرقيين، فضحك الأمير وقال ننظر بالأمر. والوجيه حمد البليهي من جماعة الشماسية درس بالمدرسة السعودية بالشماسية وتخرج منها عام 1377 هـ ليواصل تعليمه بالمعهد العلمي ببريدة وتخرج من المعهد عام 1382هـ في وقت كانت مدة الدراسة بالمعاهد العلمية خمس سنوات، ولكن مدة الدراسة بالمعاهد العلمية تحولت إلى ست سنوات بدل خمس سنوات من عام 1389هـ، واصل أبو محمد تعليمه بكلية الشريعة بالرياض وتخرج منها حاصلاً على شهادة الليسانس في الشريعة عام 1387/1386 هـ بدأ أبو محمد حمد العثمان البليهد حياته العملية ممثلاً ماليًا بمالية الرياض عام 1388 هـ ثم انتقل إلى مالية بريدة وظل يعمل بها بوظيفته السابقة حتى تقاعده عام 1425هـ. عاش أبو محمد حياته ما بين بريدة وبلدة الشماسية، سكن بعد زواجه شرق بريدة بالقرب من جامع ابن جردان ومع النهضة العمرانية التي حدثت عام 1395هـ حين افتتح صندوق التنمية العقاري كان من المواطنين المستفيدين من الصندوق بعد حصوله على قرض عمَّر فيه سكنًا خاصًا بالصفراء، ومع مرور السنين عمَّر سكنًا كبيرًا له بحي الأمير مشعل غرب بريدة وظل ساكنًا فيه، وقبل تقاعده انتقل إلى محافظة الشماسية وبنى له فيلا كبيرة داخل مزرعته غرب الشماسية بالمخطط الحديث واستقر هناك، وصار يتردد ما بين بريدة ومحافظة الشماسية بعد ما قربت المسافة بينهما وتوفر طرق الأزفلت والتي لا تستغرق نصف ساعة بفضل الله ثم حكام البلاد الذين اهتموا بتطوير الطرق السريعة ذات المسارات والتي تربط بين المناطق وبين المدن والمحافظات ومن تلك الطرق طرق تربط ما بين بريدة والشماسية. ظل الأستاذ حمد يرتبط بمن تربطه بهم علاقة صداقة وقرابة بمدينة بريدة يتردد عليهم ويسمر معهم بالليل ويجلس معهم بالنهار ويبادلونه الزيارات حتى وفاته أو قل بعد إصابته بالمرض الذي كان سببًا في وفاته فكانوا يزورنه في مرضه ويطمئنون على صحته عليه رحمة الله. عاش الوجيه حمد البليهي أبو محمد عيشة العظماء في هذه الحياة فتح بابه للأصدقاء والأقارب والزملاء وكان ينام في الليل ويصحو مبكرًا ينجز أغراض البيت وكل ما يحتاج إليه صباحاً ثم يقضي بعض الوقت بمتابعة الأسهم وله نصيب فيها والبيع والشراء في العقارات ونهاية الأسبوع يقضيه مع الأهل وبعض الزملاء والأقارب في البر والزيارات والرحلات بأنواعها داخل المملكة وخارجها. وكان من الذين أنعم الله عليهم بالمال والأخلاق محبوبًا عند الكثير من الناس ومقدمًا بالمجالس والمناسبات نحسبه والله حسيبهم من الذين قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وقد شهد جنازته خلق كثير تزاحموا في الصفوف وعند الدخول والخروج من أبواب الجامع وأثناء الدفن ووقت العزاء، وتحقق قول الإمام أحمد بن حنبل ( بيننا وبينكم يوم الجنائز) عصر يوم الثلاثاء 1445/3/18هـ ونحن نردد قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (شهود الله في أرضه). والوجيه حمد عثمان البليهي أبو محمد من أسرة اشتهرت بالعلم والعلماء الذين تقلدوا مناصب قيادية في الدولة، فمنهم الشيخ والعالم المعلم بالمعهد العلمي الواعظ بالمساجد والجوامع الخطيب الذي نال حظوة عند أمير منطقة القصيم السابق صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود والمتوفى عام 141oهـ والمولود بالشماسية عام 1333هـ تقريبًا. والشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان البليهي من مواليد الشماسية عام 1364هـ العالم المفكر الزاهد بالدنيا صاحب الأفكار الغريبة على المجتمع الذي يعيش وسطه، تقلد مناصب قيادية بوزارة الشؤون البلدية والقروية وتنقل مديرًا لإدارات عدة تابعة للوزارة في الجنوب وحائل وآخرها مدير الشؤون البلدية والقروية بمنطقة القصيم، ومن الذين تم اختيارهم كعضو من أعضاء مجلس الشورى في دورة من دوراته، وهو صاحب مؤلفات وآراء وأفكار غريبة على المجتمعات العربية، خريج معهد بريدة العلمي وكلية الشريعة بالرياض قبل أن تكون إحدى كليات جامعة الإمام محمد بن سعود، ومنهم المرحوم -بإذن الله- الشيخ صالح بن عبدالرحمن البليهي الذى كان مديرًا لفرع مالية القصيم أخو الأستاذ إبراهيم العبد الرحمن البليهي رئيس الشئون البلدية والقروية بمنطقة القصيم سابقًا. وعلى كل هم أهل علم وأصحاب مناصب خدموا دينهم وملكهم ووطنهم نحسبهم والله حسيبهم من الذين قال الله عنهم {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}. والبليهى وجمعها عند القصمان بلاها والتي ينتسب إليها أبو محمد حمد عثمان البليهي دواسر من الوداعين نزحوا من الشماس وسكنوا مع من سكن من جماعتهم بالشماسية وأسسوا فيها إمارة نسبت لجدهم شماس ومن ثم حوِّر الاسم للشماسية. نسأل الله أن يتغمد أبا محمد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يثبته بالقول الثابت عند السؤال، إنه سميع مجيب. وعزاؤنا لأبنائه وبناته وزوجاته خاصةً ولعائلة البليهي عامة ونسأل الله أن يجعلهم خير خلف لخير سلف إنه سميع مجيب والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.