أصبحت المنافسة المتزايدة على الصعيد الجيوسياسي والاقتصاد والتكنولوجيا والأمن بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، تمثل الآن «وضعًا راسخًا»، في النظام السياسي الدولي. وأشار «سكوت كينيدي»، و«وانغ جيسي»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن العلاقة بين القوتين «تدهورت إلى أعمق مستوى منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي». ومع تصادم رؤى البلدين حول تايوان، والسيطرة على الاقتصاد العالمي، والابتكار التكنولوجي، والتجسس، الذي شبهته «مايا جاسانوف»، من جامعة «هارفارد»، بـ«الحرب الباردة الثانية»، فضلًا عن تباطؤ التعاون الدبلوماسي بينهما بشكل كبير؛ أشار «ريان هاس»، من «معهد بروكينجز»، إلى شعور المعلقين الغربيين بخيبة أمل إزاء «النتائج المتواضعة» لزيارة وزير الخارجية الأمريكية، «أنتوني بلينكين»، لـ«بكين»، في يونيو 2023، والتي «لم تسفر عن أي تطورات أو تغييرات كبيرة في العلاقات بين البلدين». علاوة على ذلك، خلق التنافس المتصاعد بين «واشنطن»، و«بكين»، تحديات كبيرة للأمن العالمي. وفي حين رأى «جريج برازينسكي»، من جامعة «جورج واشنطن»، أن «شرق آسيا من المحتمل أن تكون ساحة المعركة الرئيسية للتنافس الجديد بينهما»؛ فإن المنافسة الاستراتيجية قائمة بالفعل في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ويرسخ العداء بين القوى العظمى على المسارح الدولية المتعددة، ديناميكية لا تساعد في معالجة التهديدات الإقليمية أو الدولية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية. وفي غضون ذلك، تطورت في «الشرق الأوسط»، ديناميكيات جيوسياسية مختلفة. وفي سياق تسعى فيه «الولايات المتحدة»، لتقليص مشاركتها الدبلوماسية وتأثيرها الأمني في المنطقة، بينما تقوم «الصين»، بتوسيع مشاركتها السياسية؛ أوضح «روس هاريسون»، و«أليكس فاتانكا»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن «المنافسة الشديدة بين القوى العظمى»، هي عامل قد يساعد الشرق الأوسط على التحرك «نحو الاستقرار»؛ لأن هذا الوضع «يسمح للدول بعقد صفقات تخدم مآربها الخاصة»، بدلاً من استرضاء طموحات القوى الخارجية والداعمين». وفي ظل التصورات بشأن الانسحاب الأمريكي من المنطقة؛ بدأ الحديث عن نظام سياسي إقليمي متعدد الأقطاب. وعليه، أجرى الباحثان مقارنات بين المشهد الجيوسياسي الحالي للشرق الأوسط، وحالة جنوب شرق آسيا خلال الستينيات، عندما تم تشكيل «رابطة دول جنوب شرق آسيا» (آسيان)، التي وصفاها بأنها «واحدة من أكثر المنظمات الإقليمية نجاحًا في العالم»، حيث استشهدا بكيفية توصل أعضائها إلى الإدراك الجماعي بأنه «بدون تعاون»، لن يكون «بوسعهم تحقيق ازدهار اقتصادي»، ولا «توفير الأمن الخاص بهم». وفي ضوء سلسلة من التغيرات والمبادرات الدبلوماسية الكبرى التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة، بما في ذلك، «اتفاقيات إبراهام»، و«إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران»، و«عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية»؛ أكد «هاريسون»، و«فاتانكا»، أهمية قيام دول المنطقة الآن «بعقد صفقات تستند إلى مصالحها الوطنية الخاصة بدلاً من طلب مساعدة الخارج»، مضيفين أن «استقلال الفكر والعمل في الشؤون العالمية، مرجعه بشكل مباشر إلى التنافس بين القوى العظمى. واستمرارًا، أوضحا أنه مع مشاركة «الولايات المتحدة»، و«الصين»، و«روسيا»، وقوى أخرى في سياساتهم الدولية الخاصة، والسعي إلى عقد المزيد من الشراكات في جميع أنحاء العالم؛ فإن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط الآن «لديها المزيد من الخيارات»، بشأن الشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ونتيجة لذلك «تعمل بشكل حر أكثر من ذي قبل». وفي حالة «السعودية» على وجه الخصوص، أوضح «روبرت ماسون»، من «معهد دول الخليج العربية»، أنها «حريصة على إعادة إرساء الاستقرار في المنطقة»، من أجل «حماية استثماراتها، وتنفيذ «رؤية 2030». ومع تسليط الضوء على المنطق الاقتصادي وراء هذه الإجراءات، أكد «هاريسون»، و«فاتانكا»، أهمية رؤية المملكة 2030، للتأثير على سياساتها الخارجية، والاقتصادية، والسياسية، والأمنية في المنطقة، وكيفية اكتشاف الرياض أن «أفضل استراتيجية وطنية لمستقبل البلاد هي التي تعتمد على التطورات الاقتصادية في الداخل». وبشكل واضح، تجلى هذا التركيز من خلال زيادة مشاركة «المملكة»، في الرياضة؛ لتعزيز تقدم قوتها الناعمة. ففي كرة القدم، وقعت مع بعض أفضل لاعبي العالم لصقل الدوري المحلي الخاص. بينما في الجولف، اجتذبت مسابقة «ليف جولف»، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بعضًا من أبرز الأسماء الرياضية، وتم توقيع عقد شراكة مع «رابطة لاعبي الجولف المحترفين». وأشار «ستيفن والت»، من «جامعة هارفارد»، إلى أن هذا يرقى إلى استخدام القوة الناعمة في «ذروة النفوذ السعودي»، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل على المستوى الدولي أيضًا». وبينما وافق «هاريسون»، و«فاتانكا»، على أنه «من السهل التشكك في آفاق الدبلوماسية بالشرق الأوسط»، لاسيما فيما يتعلق بمستقبل الانفراج السعودي الإيراني، فقد أصرا على أن «هناك قوى تعمل في المنطقة والعالم اليوم مما يجب أن يخفف من شكوكنا». وفي حالة وقف التصعيد بين إيران ودول الخليج، قدر الخبراء أنه نظرًا لأن الأخيرة أثارت أسئلة عن دور «واشنطن»، كشريك وضامن أمني، فقد كان لذلك أثر في تقاربها مع طهران. وبالفعل، تمثلت «نقطة التحول» في عدم استجابة «الولايات المتحدة»، للهجوم على حقول النفط السعودية في «بقيق»، و«خريص» عام 2019، وهو الأمر الذي رأوا فيه أنه جعل مبدأ كارتر الخاص باستخدام القوة لحماية المصالح الأمريكية في الخليج «منتهي الصلاحية». وعلى الجانب الإيراني، أوضحا أنه، نظرًا لأن «طهران»، «تفتقد رؤية مخرج من المأزق الذي تعيشه مع واشنطن»، بعد انهيار محادثات استعادة «الاتفاق النووي» لعام2015، فإنه يمكن لها أن تسعى إلى نهج سياسة جديدة تجاه منافسيها الإقليميين، لا سيما «كقنوات للتجارة العالمية». وفيما يتعلق بالمكاسب التي تعود على الأمن الإقليمي من هذه التغييرات، رأت مجلة «الإيكونوميست»، أن «المزيد من الحوار والتعاون بين السعودية وإيران، بدلاً من العداء والدعم النشط للفصائل المتنافسة»، سوف «يزيل ديناميكية مهمة مزعزعة للاستقرار من بؤر الصراع في المنطقة». وبالإشارة أيضًا إلى المثال المقارن لرابطة دول جنوب شرق آسيا، استشهد «ماسون»، بأن «تدشين منتدى أمني إقليمي جديد»، يُمكن أن يتحقق «من خلال التفاعلات المستمرة» من قبل القوى الإقليمية، حيث يعمل هذا على «تعزيز إحساس أقوى بالهوية الإقليمية»، وبالتالي التأكيد للدول الأعضاء على فوائد الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتجنب الفوضى. وفي الوقت نفسه، فإنه من أجل أمن دول الخليج، أوضح «هاريسون»، و«فاتانكا»، أن الحوار مع إيران، يؤدي «فائدة إضافية»، تتمثل أنه في حال حدوث مواجهة عسكرية بين «طهران» من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة، أو كلاهما من ناحية أخرى، فمن شأن علاقاتهم المتوسعة معها أن تقلل احتمالية أن يصبحوا هم أنفسهم «هدفًا للانتقام الإيراني». ومع ذلك، فإن نجاح المبادرات الدبلوماسية بين دول الشرق الأوسط، يتعارض مع الاعتقاد السائد في «واشنطن»، بين مفكري السياسة الخارجية، بأن «الشرق الأوسط، لا يمكن أن يستقر بدون تدخلها». ولدحض هذه الفكرة، أشار «هاريسون»، و«فاتانكا»، إلى أنه في «البيئة الحالية» من خفض التصعيد والتقارب في الشرق الأوسط، «من الواضح أن الدافع الأساسي لتحقيق الاستقرار يأتي من القوى الإقليمية» نفسها، وليس نتاج الضغوط الخارجية». وعلى العكس من ذلك، أوضح «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، لم «يحقق حتى الآن خفض التصعيد في جميع أنحاء المنطقة»، موضحا أن اتفاق سلام لإنهاء الحرب في اليمن، «لا يزال بعيد المنال»، في حين أنها «لا تزال ملتزمة بتنحية «واشنطن»، بعيدًا عن الشرق الأوسط»، مستشهدا بكيفية تنفيذ وكلائها لهجمات في سوريا، بالإضافة إلى استمرارها في تهديد الشحن البحري في الخليج العربي وبحر العرب، وهو الأمر الذي عزز من التواجد الأمريكي في مياه المنطقة ردًا على ذلك. ومع احتمالية أن تكون «القوى العظمى»، في العالم أقل انخراطًا في الشؤون الدبلوماسية للشرق الأوسط؛ فمن المهم أيضًا أن ندرك كيف ستظل مؤثرة على الأرجح، كقنوات محتملة لتسهيل المفاوضات، مع إشارة «بيتر بيكر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى تحول الصين إلى «لاعب قوة جديد»، بالمنطقة من خلال التوسط في إعادة العلاقات السعودية الإيرانية. وفي هذا الصدد، أشار «هاريسون»، و«فاتانكا»، إلى أن «الدور الدبلوماسي الجديد»، لبكين في المنطقة هو عامل يمكن أن يساعد في «الحفاظ على اتجاهات خفض التصعيد»، مشيرين إلى أنها على عكس السياسة الخارجية الأمريكية، «تتخذ موقفًا أكثر حيادية تجاه الصراع الإقليمي»، وبالتالي تعد بـ«تهدئة التوترات بدلاً من تأجيجها». من ناحية أخرى، قد يكون الحضور الدبلوماسي المتزايد للصين في الشرق الأوسط، هو نفسه محفزا للولايات المتحدة على تكثيف دورها في تسهيل المفاوضات والانخراط مع خصومها في الشرق الأوسط. ومع إشارة «كوك»، إلى أن وساطة «بكين»، في التقارب السعودي الإيراني، «كانت ضربة واضحة لمكانة واشنطن في المنطقة»؛ اقترح «هاريسون»، و«فاتانكا»، أن الدفع الدبلوماسي الأمريكي المتجدد مع إيران للتوصل إلى تسوية غير رسمية بشأن الملف النووي، ربما يكون متأثرا بالحاجة إلى الرد على النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الصين مؤخرًا في المنطقة، حيث يتعين عليها «محاربة الرواية التي تروج للصين كصانع سلام والولايات المتحدة، باعتبارها داعية حرب لا تريد سوى بيع الأسلحة». ومع ذلك، فإنه بقدر ما يمكن لمشاركة القوى العظمى أن تساعد في تسهيل الحوار بين الجهات الفاعلة الإقليمية؛ فإن شبكات الشراكات والتحالفات والأعمال العدائية التي تشارك فيها «واشنطن»، و«بكين»، يمكن أن تعمل أيضًا على عرقلة الجهود المبذولة نحو المصالحة والتعاون. وأشار «ماسون»، إلى أن التوترات المستمرة بين «واشنطن»، و«طهران»، ستؤدي إلى «عرقلة» العلاقات السعودية الإيرانية أيضًا، إضافة إلى أن «حرب الظل» بين «إسرائيل»، و«إيران»، يبدو أنها تتصاعد بينما تواصل الأخيرة تقدمها نحو الحصول على سلاح نووي. وفيما يخص التدخل الصيني المستقبلي، أشار «هاريسون»، و«فاتانكا»، إلى أنه «يبقى أن نرى ما إذا كانت تتمتع بالثقل والإرادة السياسية»، لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين الخصوم الإقليميين. على العموم، يبدو أنه لا يزال هناك عدد من التحديات أمام التقدم المستقبلي لخفض التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط، حيث لا يزال دور القوى الخارجية، مثل «الولايات المتحدة»، و«الصين»، مؤثرًا بشكل كبير على الأمن الإقليمي في المستقبل. وفي مواجهة شكوك العديد من المحللين، مثل «ميسون»، الذي حذر من أنه «لا يوجد ضمان بأن تجدد التعاون سوف يترجم إلى مصالحة أوسع وطويلة الأمد»، و«كوك»، الذي أصر على أن «طهران»، «لا تريد التعاون مع دول المنطقة، وأن هدفها هو إعادة ترتيبها بطريقة تخدم مصالحها، وعبر التصعيد إذا لزم الأمر؛ فقد أصر «هاريسون»، و«فاتانكا»، على أن مثل هذه «التحليلات غير الدقيقة»، من قبل المراقبين، يمكن أن تجعلهم لا ينظرون إلى «احتمالات مستقبل أفضل لهذه المنطقة المضطربة».