×
محافظة المجمعة

القائد إسحاق..تحية تقدير

صورة الخبر

تحولت “مذكرات زوج” من رواية تحلل العلاقات الزوجية والعقد النفسية التي تجعل الإنسان دائم الاضطراب والضياع، إلى مسلسل اجتماعي يستعرض كل هذه المشكلات في قالب معاصر يحافظ على الجانب الكوميدي في كتابات المصري الراحل أحمد بهجت، فأثار إعجاب العديد من النقاد وأشاد به الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره عملا لا يثير مواضيع مبتذلة وقضايا مبالغا فيها لا تشبهه ولا يراها في حياته اليومية. “لو أمسكنا الإنسان ووضعناه تحت ضوء الحقيقة وسألناه عن أجمل قبلة في حياته لتكشف الجواب عن قبلة لم تتم، وأجمل امرأة هي امرأة لم ينلها قط، وأجمل أغنية هي تلك التي نسمع منها جزءًا والقطار يتهيأ للسير”. هذا المقتطف من رواية “مذكرات زوج” لأحمد بهجت يمكن أن يختصر فكرة روايته بأكملها وكذلك مسلسل “مذكرات زوج” المقتبس عنها والذي عرض في 15 حلقة في النصف الأول من شهر رمضان المبارك ولا يزال يثير أصداء إيجابية. هي الحياة هكذا، كل ما لم نجرّبه أو اخترنا ألاّ نجربه يوما ما، قد نندم عليه في المستقبل، ويستفزنا الحنين للعودة إليه ومحاولة إصلاح أخطاء الماضي، وإعادة عجلة الزمن إلى الوراء لرغبة جامحة في تغيير الحياة. أنفس مشتتة بطلا العمل قدما حالة انسجام فني كبيرة، انعكست على المسلسل بأكمله، والذي جاء خفيفا، حيث قدم علاقات وحوارات واقعية بطلا العمل قدما حالة انسجام فني كبيرة، انعكست على المسلسل بأكمله، والذي جاء خفيفا، حيث قدم علاقات وحوارات واقعية المسلسل بطولة طارق لطفي، عائشة بن أحمد، خالد الصاوي، سما إبراهيم، إدوارد، عمر الشناوي، سارة الشامي، علي الطيب، جيهان الشماشرجي، حازم إيهاب، فدوى عابد، هناء الشوربجي، الطفل آدم وهدان، الطفلة حبيبة، الطفلة ريتال ظاظا، والعمل سيناريو وحوار محمد سليمان عبدالمالك، وإخراج تامر نادي وإنتاج شركة أروما للمنتج تامر مرتضى. يعيش أغلب البشر في قوالب جاهزة، يفرضها عليهم المجتمع بعاداته وتقاليده الظاهر منها والخفي. فحتى سلوكياتنا لها أبعاد نفسية عميقة قد لا نعي خلفيتها ومدى خطورتها إلا إذا وقفنا وقفة تأمل صادقة مع ذواتنا. من هذه القوالب تلك التي ترسم للإنسان مساره منذ الصغر، ماذا يأكل وكيف يشرب، متى يتزوج وكيف عليه أن يتقبل روتين علاقته الزوجية، والأخطر في كل ذلك أن بعضها يمنع الإنسان من التغيير ويرفضه إذا حدث، رغم أن السُنّة الأولى للكون- والإنسان أحد عناصره- هي التغير المستمر، فمن لا يتغير يمت. في مسلسل “مذكرات زوج”، تصور لنا الحكاية الرئيسية بين بطلي العمل، رؤوف (طارق لطفي) وزوجته شيرين (عائشة بن أحمد)، هذه القوالب. يعيش الزوجان حياة هادئة طبيعية، كما تبدو للجميع، لديهما ولدان، مستقران في حياتهما المهنية وعلاقاتهما الاجتماعية، رغم الفتور الكبير في العلاقة بينهما، إلى أن يقرر الزوج التمرد على حياة لم تعد تشبهه. في العمل الروائي أبدع الكاتب أحمد بهجت في وصف معاناة الإنسان المصري زوجا وأبا وموظفا في آن، بأسلوب ساخر متهكّم، وبوصف سهل وتعبيرات بليغة يصف للقارئ ما يدور بعقل بطل مذكراته، يصور له حالة الزوج وهو يضعف أمام مغريات الحب الثاني، ورغباته ومشاعره الفياضة الحبيسة تحت وطأة حياة قاسية، ثم في النهاية بعدما يئس يوجه مشاعره تجاه الحيوانات تحديدا القط الذي تبناه. وهو يشعر بالانتصار تجاه زوجته التي يصورها كالحاكم الدكتاتوري الذي يقمع رعاياه، والتي جاءت في الرواية قاسية فظة لا تعامل زوجها إلا من علوّ شاهق، جعلته يتصيد كل تصرفاتها وصفاتها السلبية ويتناسى الإيجابي منها. كذلك فعل طارق لطفي أو “رؤوف” في المسلسل، فهو في الحلقات الأولى منه كان يخوض حوارا داخليا يتصيّد خلاله كل ما لم يعد يعجبه في حياته وزوجته وعمله وحتى الأكل الذي يقدم له، لكنه أيضا فعل كما قال بطل الرواية الذي أنطقته أنامل بهجت “علّمني الزواج أن أختزن كثيرا من التعليقات في جوفي.. لا أبوح بها لمعرفتي أن كلمة ساذجة قد تجر عليّ متاعب كثيرة”. لكنه حين نطق قلب حياته رأسا على عقب وتخلى عن الجميع من أجل البحث عن ذاته الضائعة وإيجادها، مقابل أن يكون مرئيا وصوته مسموعا وحضوره كبيرا وغيابه أكبر. المسلسل نجح في أن ينقل للمشاهد بإحكام مشاعر الملل الزوجي والعقد النفسية الدفينة والأحلام المؤجلة الزوجة هي الأخرى تائهة، لم تع تغيرها الكبير وانصرافها عن حياتها إلى العمل والجدية والقسوة إلا حين هدم عش الزوجية، فدخلت في حالة اكتئاب وضياع حادة، لم يخرجها منها إلا المساعدة والتأطير النفسي. بعد أن أشاد به جمهوره والنقاد في دور “خلدون” الذي لعبه العام الماضي في مسلسل “جزيرة غمام”، وهي شخصية مركبة وشريرة، اختار الممثل طارق لطفي هذا العام التنويع، حيث يجسد شخصية مشابهة في مسلسل “ليلة السقوط” الذي يتناول الفكر الداعشي وتأثير الخلافة على الموصل، لكنه في “مذكرات زوج” يقدم دوار مختلفا، يكشف مدى موهبة هذا الممثل وقدرته على تقديم شخصيات مركبة ومتنوعة والأهم قادرة على اقناع المشاهد دون مبالغة في الأداء. في هذا المسلسل، قدم الثنائي طارق لطفي وعائشة بن أحمد، حالة انسجام فني كبيرة، انعكست على المسلسل بأكمله، والذي جاء خفيفا، بعيدا عن التنميط والتمطيط، حيث قدم علاقات وحوارات واقعية تبتعد عن الصراخ والعنف الذي لطالما ساد في مثل هذا النوع من المسلسلات. عائشة بن أحمد، هي الأخرى، قدمت شخصية مختلفة، لا تشبه ما قدمته من أدوار منذ التحقت بالدراما المصرية، محافظة على أدائها الهادئ وانفعالاتها المدروسة، ومحافظة على حضورها الجسدي والنفسي والفكري دون انسياق وراء عمليات تجميلية تفقدها القدرة على تطويع وجهها وجسدها لصالح الدور. وما أسهم في خلق ثنائي متوازن ومنسجم، هو التفاصيل التي تؤكد اهتمام المخرج بالشخصيات وملامحها، حيث رسم شخصية شيرين الزوجة المتسلطة من الخارج من خلال تصفيف شعرها بطريقة ثابتة، واختيار الملابس الرسمية أو نصف الرسمية، لكن النص أيضا أضفى الكثير من الواقعية على الدور حيث ركز على طريقتها الحادة في نطق الكلمات والجمل القصيرة القاطعة، وردود الفعل العنهجية المتسلطة. ظواهر مهمة عائشة بن أحمد قدمت شخصية مختلفة لا تشبه ما قدمته من أدوار سابقة محافظة على أدائها الهادئ عائشة بن أحمد قدمت شخصية مختلفة لا تشبه ما قدمته من أدوار سابقة محافظة على أدائها الهادئ في المسلسل، يقرر البطل اللجوء إلى طبيب نفسي (خالد الصاوي) هو نفسه للمفارقة يعاني من مشكلات نفسية وعلاقات مرتبكة، ويسعى جاهدا لمعالجة نفسه، وتصحيح علاقته بزوجته (سما إبراهيم) المعالجة بالطاقة والمهتمة بالتنجيم. يشكل خالد الصاوي وسما إبراهيم ثنائيا مهما في العمل، يقومان بدور المعالجين النفسيين «واللايف كوتشز»، وهى ظاهرة انتشرت على مدى السنوات الأخيرة بشكل واسع في المجتمعات العربية، ويقوم بها أطباء أو أيضا ما يطلق عليهم “مدربو حياة”، وهم أولئك الذين يتلقون دورات تدريبية حول الحياة والوعي والتخطيط وغيرها، ثم يخرجون على الناس في دور المصلح، الموجه، وأحيانا حتى الطبيب المداوي. المسلسل يسلط الضوء على هذه الظاهرة، بخليط من الواقعية والسخرية، بينما يقدم خالد الصاوي وسما إبراهيم ثنائيا كوميديا، ينتقدان الفرق بين الوهم والحقيقة وتقديم العون النفسي الفعلي وتطبيقات الموبايل التي تهدف للربح المادي، ويسلّطان الضوء على مدى خطورة تلك الأفكار الشائعة خاصة عندما يجد الدكتور طه عياد نفسه غير قادر على تنفيذ الأفكار التي “يبيعها” للناس، فهو دائم الشك بأفكاره، غير قادر على التحكم في غضبه وانفعالاته، وتنتابه أحيانا نوبات من الإحباط واليأس والرغبة في الانقطاع عن العالم الخارجي، وفي الانفصال عن ارتباطاته الزوجية والعائلية. ويمكن القول أيضا إن “مذكرات زوج” جاء عملا اجتماعيا كوميديا، دون مبالغة، يعيدنا إلى مرحلة مهمة من إنتاج الكاتب أحمد بهجت، لكنه كشف قدرات الكاتب محمد سليمان عبدالمالك الذي اتسمت معالجته لنص المسلسل بالمعاصرة، مع التمسك بروح النص الأصلي الذي انطلق من أن الأمر يتعلق بمشكلات زوج مع زوجته إلى كونه يكتشف أنه يعاني من أزمة منتصف العمر، محتفظا بالطابع الكوميدي الذي ميّز كتابات المؤلف الراحل. أزمة منتصف العمر التي تكاد تكون “موضة” الدراما حيث تطرق إليها أكثر من عمل درامي منذ العام الماضي منها مسلسل “أزمة منتصف العمر” الذي شارك في بطولته الممثل كريم فهمي. وفي حين كان مسلسل “أزمة منتصف العمر” حادا صادما في عرض تجربة قاسية لهذه الأزمة النفسية التي تقلب حياة عدد كبير من الرجال، وتدخلهم في مشكلات لا حد لها، جاء مسلسل “مذكرات زوج” ليصورها للمشاهد أزمة طبيعية تشبه تفاصيلها حياة أغلب الناس وما يمرون به من هواجس وأفكار ورغبة حادة في التغيير تصاحبهم من بدايات سن الأربعين عاما، وتشجعهم على إجراء تحولات عميقة في حياتهم منها تغيرات سلوكية غير معتادة. المسلسل ببساطة، نجح في أن ينقل للمشاهد بإحكام مشاعر الملل الزوجي والعقد النفسية الدفينة، والأحلام المؤجلة، وهو يستفز كل من يشاهده للبحث عن صور وأحداث وعقد وأحلام مشابهة ربما مرّ بها أو هو يفكر في خوضها.