×
محافظة الزلفي

رحم الله الوجيه عبدالعزيز الحمادي

صورة الخبر

يُعَرَّف التَّعْبير، بأنّه “القدرة على ترجمة ما يجري بخاطر الكاتب، وتصوير ما يختلج في نفسِه من مشاعرَ وأحاسيس تجاه مواقف كان قد سمع بها أو شاهدها على صورة أَلفاظ أو عبارات أو نصوص، يعكسها في كتاباته وينقلها إلى الآخرين”. التّعبير ومنزلته بين فروع اللُّغَة: يمتاز التَّعْبير بين فروع اللُّغَة بأنه غاية، وغيره وسائل مُساعدة مُعينة عليه. فالقِراءَة تزود القارئ بالمادة اللّغويّة، وألوان المعرفة والثَّقافة، وكل هذا أداة للتَّعبير، والمَحْفوظات والنّصوص- كذلك- منبع للثَّروة الأَدَبية، وذلك يساعد على إجادة الأداء، وجمال التَّعْبير، والقواعد وسيلة لصَوْن اللِّسان والقلم عن الخطإِ في التَّعْبير، والإمْلاء وسيلة لرسم الكَلِمات رسمًا صحيحًا، فيُفهم التَّعْبير الكتابي على صورته الصَّحيحة… وهكذا. ويستمدّ التَّعْبير أهميتَهُ من عدة نواح، أهمها: (أ)أنَّه أهم الغايات المنشودة من دراسة اللُّغَات؛ لأنه وسيلة الإفهام، وهو أحَد جانبي عملية التَّفاهم. (ب)أنه وسيلة اتِّصال الفرد بغيره فكريًّا واجتماعيًّا، وهو يقوي ثقة الأطفال بأنفسهم، ويعزّز نموِّهم على كافة الصّعد. (ت) يعوّد الأطفال على الدّقة، ما يوصِل الفكرة كما يجب أن تصل. (ث) وتدخل دقة التَّعْبير في مقاييس كفاياتِ كثيرٍ من النَّاس فتكون إحدى أهمعوامل نجاحهم: كالمُعَلِّمين، والمحامين، ووكلاء النِّيابة، والمذيعين، ومندوبي الصّحافة، وموظفي الاستعلامات، ونحوهم. الغرض من درس التَّعْبير: (أ)تمكين التَّلاميذ من التَّعْبير بعبارة سليمة صحيحة.(ب)توسيع دائرة أفكارهم من خلال تزويد التّلميذ بالقدرة على معالجة الفِكْرة بنوع من التَّفصيل والاستيفاء والإحاطة، وكذلك توليد المعاني الجزئيّة المتصلة بالفكرة الرّئيسة، كأن يعلمهم المعلِّم أن يذكروا الأسباب التي تؤيد ما يقررونه من أحكام، وأن يذكروا النَّتائج المترتبة على موقف معين، بعد أن يعطوا أمثلةً تؤكد أقوالَهم، ويلجأوا إلى عرض موازنات موضِّحة، ويستعينوا بمعلوماتهم في المواد المختلفة…(ت) تزويدهم بما يعوزهم من المُفْرَدات والتَّراكيب، ما يثري معجمهم اللّغوي. (ث) تعويدهم التَّفكير المنطقي، وترتيب الأفكار وربطها. (ج)إعدادهم للمواقف الحيوية التي تتطلب فصاحة أو ارتجالًا. أُسُس التَّعْبير: يُقصد بهذه الأسس طائفة من المبادئ والحقائق، التي ترتبط بتعبير التَّلاميذ التي تساعد المُعَلِّم على نجاحه في إيصال هذه المادة. وهذه الأسس أنواع ثلاثة: 1-الأسس النَّفسية: (أ) ميل الأطفال إلى التَّعْبير عما في نفوسِهم، ما يشجّع المُعَلِّم على استغلال هذا الأساس النّفسي في علاج الأطفال الذين يتهيَّبون المشاركة في درس التَّعْبير. (ب) ميل الأطفال إلى المحسنات، ونفورهم من المعنويات، ومراعاة هذا المبدأ تفيد في تخيُّر الموضوعات الملائمة للتَّلاميذ في المراحل المختلفة، وفي الاستعانة بالصُّور والنَّماذج أثناء الدَّرس. وهنا على المُعَلِّم التّفريق بين (فن الصُّورة) و(فن الوَصْف)، إذ يصوّر الأول كائنًا حيًّا- إِنسَانًا أو حَيَوانًا- وصفًا أقرب ما يكون إلى لوحة تصويرية تهتم بإبراز أهم الجزئيات والظّلال والألوان باختصار وتتطلب من الطّالب قوة المُلاحَظَة، ودقّة التَّصوير: (إيوان كسرى عند البحتري). (ت) ينشط الطّالب إلى التَّعْبير إذا وجد لديه الدَّافع والحافز والتَّأثر والانفعال، لا إرضاءً للمُعَلِّمِ في درس التَّعْبير وانقيادًا له، دون تأثر أو انفعال. (ث) على المُعَلِّم أن يتأنى، فلا يطلب من التّلميذ السّرعة، فالطّفل يخضع- أثناء الكتابة- إلى عمليتين معقَّدتين تتطلبان جهدًا ووقتًا عند الأطفال؛ هما: عملية (التَّحليل: تخَيُّر الألفاظ من معجمه اللّغوي الفقير)، وعملية (الترَّكيب: تأليف العِبارة المطلوبة من تلك الألفاظ، وهو غير خبير بطرق نَظم الكلام بعدُ). (ج)غلبة الخجل والتَّهَيُّب على بعض التَّلاميذ- وهنا يجب على المعلّمِ تشجيعهم، وأخذهم باللِّين والصَّبر. (ح) المحاكاة والتَّقليد التي يعتمدها الطّلاب في هذا المجال، وهنا على المُعَلِّم أن يكون قدوة في اللّغة الفصيحة، السّليمة، لا العامّية، سواء في الدروس الكتابة والشّفهية. 2-الأسس التَّربوية: (أ)الحرية: من حقّ التّلميذ أن يُمنَحَ أحيانًا (حريةَ اختيار موضوعِهِ وأفكاره وعباراته وكلماته). (ب) ليس للتَّعبير زمنٌ معيٌن، ولا حصَّة محددة؛ بل هو نشاطٌ لغويٌ مستمر، على المُعَلِّم أن ينتهز له كلَّ فرصةٍ، وأن يهيئ له نصيبًا من كل حصّة: فمجالُه في (حصة القِراءَة الإمْلاء): إجابة التَّلاميذ عما يوجَّه إليهم من أسئلة فيما قرأوه، أو في الصُّورة التي أمامهم في الكتاب، وكذلك تلخيص المقروء ونقده. و(في درس النّصوص شعريّةً كانت أو نثريَّة): شرح المعنى، ونقد النَّص وتذوقه، و(في القواعد): فرصة للتَّدريب على التَّعْبير، من خلال مناقشة (معنى) النّصّ الذي اختيرَتْ منه الأمثلة- وهذا لون من ألوان التَّعْبير- و(في درس البلاغة)، و(درس الخط)، يمكن اتِّخاذ كل مادة أساسًا لمناقشات معنويَّة تُطْلِق ألسنةَ التَّلاميذ بالتَّعْبير. (ت) لا يمكن للطّفل التَّعْبير عن شيء إلا إذا كان له علم سابق بهذا الشَّيء؛ ولهذا يضيق التَّلاميذ ببعض الموضوعات، ويصفونها بأنها “مقفلة، أو ضيقة، أو مظلمة”؛ ما يعني أنه ينبغي على المُعَلِّم اختيار الموضوعات المتَّصلة بأذهان التَّلاميذ. 3-الأسس اللّغويّة: (أ)يستوجِب محصولُ التّلميذِ اللّغويُّ القليلُ عملَ المُعَلِّم على إنماء هذا المحصول بالطَّريقَة الطَّبيعية كالقِراءَة والاستماع. (ب)التَّعْبير الشَّفوي أسبق من التَّعْبير الكتابي. (ت)مزاحمة العامية، ويمكن الاستعانة بالأغاني الرَّفيعة والأَنَاشيد والقصص في تزويد التّلميذ باللُّغَة الفصيحة، إضافةً إلى القِراءَة والاستماع. أنواع التَّعْبير (1)تعبير شفوي: هو ما يعرف باسم المحادثة أو الإِنْشَاء الشّفوي، وهو مهم كونه أداة الاتّصال السَّريع، ولكنَّ من مشكلاته- في الميدان المدرسي- مزاحمة العامية، وغلبتها على ألسنة التَّلاميذ. وله صوَرٌ كثيرةُ منها: (أ) التَّعْبير الحُر، (ب)التَّعْبير عن الصُّوَر، (ت)التَّعْبير الشّفوي عقب القِراءَة، بالمناقشة والتَّعليق والتَّلخيص والإجابة عن الأَسْئِلَة، (ث)استخدام القصص في التَّعْبير بالصُّور الآتية: [إكمال القصص النَّاقصة، (أو) تطويل القصص القصيرة، (أو) سرد القصص المقروءة أو المسموعة، (أو) التَّعْبير عن القصص المصورة…]، (ج) الطّلب من التَّلاميذ التَّعْبير الشّفوي عن حياتهم ونشاطهم داخل المدرسة وخارجها (حصص الألعاب، والرسم، والأشغال، والحفلات، والرحلات، والمباريات، ونحو ذلك). (ح) التّحدث عن مملكة الحيوان والنَّبات والطَّير. (خ) التَّعْبير الشَّفوي عن الحياة: طبيعتها وأعمال النَّاس فيها، وما يجدّ فيها من الأحداث (الحدائق، المزارع، الصّحارى، مظاهر الفصول المختلفة، البيئات، الفلَّاح، إعداد الطّعام، الجندي، الموضوعات الخلقية والاجتماعية والوطنِيَّة والاقتصادية.(د) الخطب والمناظرات. أما طريقة تدريسه، فتكون: (أ) يلتزم المُعَلِّم الكلام باللغة العربية الفصيحة السّليمة حتى مع صغار التّلاميذ، (ب) ألا يقاطعَ المُعَلِّم التّلميذ في أثناء تعبيرِهِ، (ت) يجب أن يستخدم المُعَلِّم طريقة الأسئلة المرتبة المسايِرة لنواحي الموضوع بحيث تتكفل كل مجموعة من الأسئلة بتوضيح إحدى نواحي الموضوع؛ لأن تلاميذ الابتدائية يعجزون عن تناول الموضوع الشّفهي ارتجالًا، وعرضه أفكارًا مرتّبة مترابطة مستوفية نواحيه المهمة. (2) تعبير كتابي: وهو ما يُعْرَف باسم الإِنْشَاء التَّحريري. وهو وسيلة الاتِّصال بين الفرد وغيره، ممَّن تفصله عنهم المسافات الزَّمانية أو المكانية، والحاجةُ إليه ماسَّة في جميع المهن، ومن صوره: (أ) كتابة الأخبار؛ لاختيار أحسنها، وتقديمه إلى صحيفة الفصل، أو مجلة المدرسة.(ب) جمع الصُّوَر والتَّعْبير الكتابي عنها، وعرضها في الفصل، أو في معرض المدرسة. (ت)الإجابات التَّحريرية عن الأَسْئِلَة عقب القِراءَة الصَّامتة. (ث) تلخيص القصص والموضوعات المقروءة أو المسموعة. (ج) تأليف قصص، (ح) تكملة القصص النَّاقصة، وتطويل القصص الموجزة، وتحويل قصة إلى مسرحية أو العكس، ونثر الشّعر. (خ) كتابة المذكرات واليوميات والتَّقارير ومحاضر الجلسات والاجتماعات. (د)كتابة الرسائل بأنواعها، والكَلِمات والخطب لإلقائها في مناسبات مختلفة. (3)التَّعْبير الوظيفي والتَّعْبير الإبداعي إنَّ الصُّور السَّابقة (للتَّعبير الشَّفوي والكتابيّ)، تدلّ أن للتَّعْبير أغراضٌ ووظائفُ (تواصليّة)، يُطلقُ عليهما فيها اسم: (التَّعْبير الوظيفي): المهم في الأعمال المستقبليَّة (المصارف، والشّركات، والإعلان والإعلام والإدارات والنّشاطات المدرسة والجامعية والاجتماعية والبيئيّة)، أو (أدبيّة) شائقة، يُطلَق عليهما فيه اسم (التَّعْبير الإبداعي أو الإنشائي)، وتشمل- إلى جانب المقالات- نظم الشّعر، وكتابة القصص والمسرحيات وغيرها. وعلى المعلِّمِ أن يدرّبَ التَّلاميذ على هذين النَّوعين من التَّعْبير، وإعدادهم للمواقف الحيوية المختلفة، التي تتطلب كل نوع منهما. رغم ما يُلاحَظ، مع الأسف، أن كثيرًا من مُعَلِّمي التَّعْبير يقصِرون موضوعات طلّابهم على النّوع الثاني: (التَّعْبير الإبداعي أو الإنشائي)، متجاهلين الأول: (التَّعْبير الوظيفي)، على أهميته. مراحل التَّدريب على التَّعْبير في المدارس الابتدائِيّة: يمكن تقسيم المَرْحَلَة الابتدائِيّة في هذا التَّدريب ثلاث حلقات: الحلقة الأولى (الصَّفَّان الأول والثاني)، والحلقة الثَّانية (الصَّفّان الثَّالث والرَّابِع)، والحلقة الثَّالثة (الصَّفّان الخامس والسَّادِس). (1)الحلقة الأولى (الصّفّان الأول والثّاني): (أ)يقتصر التَّدريب في هذه المَرْحَلَة على (التَّعْبير الشَّفوي)؛ لأن (التَّعْبير الكتابي) يستوجب نوعًا من المهارة الكتابية، والطّفل في هذه المَرْحَلَة تعوزه هذه المهارة، وينبغي استغلال ما فطر عليه الطّفل. فهو يميل إلى التَّعْبير عما يحسه أو يشاهده، أو يتأثر به في ألعابه، ونواحي نشاطه؛ ولهذا تختار موضوعات المحادثة من هذه النَّواحي: (كاللّعب والمشاهدات في البيت والشَّارع والمدرسة، والحفلات والزّيارات والرّحلات، والهدايا والطّيور، والحيوانات وأدوات الطعام، ووسائل الانتقال، ونحو ذلك). (ب)كما أن الطّفلَ يميل إلى الصُّوَر؛ ولهذا تستخدم الصُّوَر الملونة المعبرة مادة لتدريب الأطفال على الحديث، وذلك بطريق الأَسْئِلَة. (ت)ويميل الطّفل- في هذه الحلقة- إلى سماع القصص وسردها؛ ولهذا كانت القصص القصيرة، الواضحة الشّائِقة، أداة صالحة لتدريب الأطفال على الحديث، والانطلاق في التَّعْبير.(ت)والطّفل ميَّال بطبعه إلى الحديث عن عمله، وإلى إلقاء الأخبار؛ ولهذا كان التَّعْبير الحر ما خير ما يلائم الأطفال، في التَّدريب على التَّعْبير. (2) الحلقة الثَّانية (الصَّفّان الثَّالث والرَّابِع) (أ)يدرَّب الأطفال في الحلقة الثَّانية (الصَّفّان الثَّالث والرَّابِع) على التَّعْبيريْن: الشَّفويّ والكتابيّ. أما (التَّعْبير الشَّفوي)؛ فيسير على نمط الحلقة الأولى، من حيث اختيار الموضوعات وألوان التَّعْبير، ولكن بصورة أوسع، وأسلوب أرقى؛ وذلك لاتِّساع أفق الطِّفل، ونمو أفكاره، وتقدُّم ملاحظته، وزيادة محصولِه اللّغوي. وأما (التَّعْبير الكتابي)؛ فيدرَّب عليه الأطفال في هذه الحلقة بطرق كثيرة، نحو: (أ) استعمال كلمات في جُمَل تامَّة مما يعرفه الأطفال في حياتهم أو في موضوعات قرأوها، ويستطيع المُعَلِّم اختيار بعض الكلمات التّوجيهية أو التّربوية: (ترتيب، نظافة، مساعدة العجائز…)، (ب) تكملة جملة ناقصة بوضع كلمة يختارها الطِّفل، ثم يتدرَّج في إِطالة الجملة، وحاجتها إلى كلمتين أو أكثر. (ت)الإجابة عن أسئلة عامة أو من قراءات الطّفل، (ت) إعادة ترتيب قصَّة أجزاؤها غير مرتبة. (ث)التَّعْبير عن الصُّوَر. (ج) كتابة العبارة بعد تغيير بعض كلماتها بكلمات مُرادِفَة؛ لاستقامة المعنى، مثل: “الْحَياةُ في اُلرِّيفِ حُرةٌ طَليقَةٌ، وجَوٌّ مَفْتُوحٌ، وَهَوَاءٌ جَديدٌ دائِمًا لَمْ تُفْسِدْهُ الحَضارَةُ بِدُخانِها وَغازاتِها، ولَمْ تَحْبِسْهُ الأَبْنِيَةُ الشَّامِخَةُ”؛ فيطالَب الطِّفل بأن يضع كلمة (المدينة) بدل (الرّيف)، وأن يغير ما يجب تغييره في الجُمْلة. (ح)كتابة بعض الجمل عن عمل يقوم به الطّفل، أو يشاهده. (خ)تلخيص قصة قصيرة قرأها الطِّفل أو سمعها.(د) تكوين أسئلة لإجابات مختلفة. (3): الحلقة الثَّالثة (الصَّفّان الخامس والسَّادِس). يُدرَّب التَّلاميذُ- في هذه الحلقة- على نَوْعَي التَّعْبير؛ ففي (التَّعْبير الشّفويّ) يدربون على الأنواع المختلفة المناسبة، التي أشرنا إليها سابقًا، على ألا يكون منها الموضوعات المعنويَّة؛ لبُعدها عن حياتهم. وفي (التَّعْبير الكتابيّ)، تتبع الطّرق الآتية وما يماثلها: (أ)الإجابة عن أسئلة- مباشَرة، أو تحتاج إلى تفكير أو خيال- في موضوع سبق وأن قُرئَ على التّلاميذ، (ب)تلخيص قصة،(ت) وضع كلمات مناسبة في أماكن الفراغ. (ث) إبداع بداية قصة ما، أو نهايتها، أو إبداع قصة كاملة، (ج) إدخال جمل وصفية في موضوع مكتوب أصلًا، (ح) إدخال حوار في قصة ليس فيها حوار… (ثانيًا): الإنشاء يُعَرَّفُ الإِنْشَاء بأنه: “فنٌّ يعلَّمُ به جمع المعاني والتأليف بينها وتنسيقها، ثم التَّعْبير عنها بعبارات أدبية بليغة”. كما يعرَّف بأنه: “مقال نثري قصير يكتبه تلاميذ المدارس تدريبًا لهم على التَّعْبير عما يجول بخاطرهم”. ما يعني أن الإِنشاء هو “مَلَكة لغوية وممارسَةٌ وسعة اطّلاع تمنح الكاتب قدرة عالية على تطويع الأَلفاظ والنُّصوص بالشَّكل الذي يجعل التَّعْبير عن الذَّات أكثر عمقًا، ويصنع النَّص بشكل يخدم به التَّعْبير بأَفضل صورة”. ولأن الإِنْشَاء هو طريقُ الطَّالبِ نحو إتقان الكِتَابَة، فعلى المُعَلِّم أن يأخذ بيدِ تلميذه إلى فنون الإِنْشَاء كلِّها، ويقدم له- بسخاءٍ- ما كتبه كبار الكُتَّاب ليكون أسلوبُهم قدوةً له يقتدي بها، على أن يُلحِقَ المعلِّمُ بكل مجموعةٍ من الكتابات طائفة من الأفكار الجديدة يطلب من التّلميذ فيها اختيار ما يناسبه، أو تركَ هذا الأمر للمُعَلِّم ليفعل، وحبذا لو يُختارُ أكثر من موضوع؛ لأن الدّربة قادرة على جعلِ الطّالبِ يتقن لغته أيّما إتقان، ويعتز بها أيّما اعتزاز. مشاكل الإِنشاء يُعتبَر تدريس مادة الإنشاء مشكلة من المشكلات العصيّة التي تتضاءل إزاءَها جميع مشكلات تدريس اللُّغة العربية، رغم قيام بعض المعلِّمين- فرادى أو جماعات- بتأليف كتب فيها يقصدون بها تذليل الصِّعاب امام المعلِّم والتّلميذ، مُصَنِّفين موضوعاتِها، مُختارين عباراتٍ غريبة وتراكيب مترادِفَة يعتقدون- مخطئين- أنها ستحسِّن إِنْشاء الأطفال ويسهّلون عمل المُعَلِّم الذي ما عليه إلا أن يعرض الموضوعات وعناصرها، ثم يكلّف تلاميذه أن يعدّوا موضوعاتهم، فتأتي متشابهة، أقرب إلى كرّاسات الإملاء منها إلى الإنْشاء. ويدخل التّلميذ في مشاكل التّشابه، والمعَلِّم في مشاكل الكسلِ. عدا عن مشاكل الإنشاء الشّفهيّ الذي يحجِم التّلاميذ عن المشاركة فيه تهيُّبًا وخجَلًا (والحل هنا يكون بتشجيع المُعَلِّم تلاميذه، وخلق أجواء محببة أثناء الدّرس إلى جانب كثرة التّدريب الذي يزيد ثقتهم بأنفسهم)، وكذلك مشاكل الإنشاء الكتابي، ومن مظاهره: هروب التّلاميذ من الكتابة وتسويفهم، و(الحل هنا بضبط المُعَلِّم موعد التّسليم، وعدم السّماح بالتأجيل)، إلى جانب مشاكل التّقييم الذي يقوم- في مادة الإنشاء- على تقييم عمل (فنّي) له علاقة بالجمال والقبح أكثر مما له علاقة بالصّح والخطإِ، وهذا يخضع أيضًا لذوق المُعَلِّم الخاص الذي قد لا يستسيغ الموضوع رغم جماله أما تصحيح الإنشاء الكتابيّ؛ فمشاكله: (أ) معاناة المُعَلِّم في تصحيح الكراسات، وحيرته بين أن يصوِّب أخطاء التّلميذ على الكرّاسة، أو يناقش المخطئين فرديًّا، ولكنه يقع في مأزق عدد الطُّلاب الكبير، وعدد موضوعات السّنة الدِّراسية، ما يرهقه، ويجعله يبحث عن طرائق أخرى في التّصحيح، كأن يُعنى المُعَلِّم بتقييد ما يراه من الأخطاء الشّائعة ويعرضه على التَّلاميذ في حصَّة خاصة بالإرشاد، أو لا يكتفي بتقدير علامة التّلميذ، بل إضافة ملاحظة كتابية تفيد كل تلميذ، وهذا أيضًا يأخذ كثيرًا من جهد المُعَلِّم ووقته. (ب) على المُعَلِّم الانتباه إلى العيوب الفكرية في موضوعات الإنشاء (من حيث صحتها، وترتيبها، والرَّبط بينها، وجمعها بين الصَّحيح والزّائف منه، ومدى صحة عمليتي التّحليل [عودة الطّالب إلى رصيده اللّغوي، وغناه أو فقره]، والتّركيب [استخدام رصيده اللّغوي استخدامًا صحيحًا في جمل وتراكيب]). (ت) انتباه المُعَلِّم إلى النّاحية اللّغويَّة، وتشمل (النّحو والصرف والبلاغة، واستعمال الألفاظ في المعاني التي وُضِعَت لها، والانتباه إلى أن التّلميذ قد راعى وحدة الزّمن، واستعمل الضّمائر في أمكنتها الصحيحة، ولم ينتقل من الخطائب إلى الغيبة، ومن الجمع إلى المفرد..). (ت) انتباه المُعَلِّم إلى النّاحية الأدبية؛ أي (أسلوب الأداء، ومراعاة الذّوق الأدبي، وجمال التّصوير، وسَوْق الأدلة في قوة ووضوح…). (ث) انتباه المُعَلِّم إلى الرّسم الإملائي وجودة الخط وحُسْن النّظام، (ج) انتباه المُعَلِّم إلى العوامل التّربويّة المدرسية (اختيار الموضوعات المعنوية لا الحسّية، وهي صعبة على طلّاب الابتدائية، وعدم الاهتمام بخلق حافز للقول أو الكتابة وبقاء المُعَلِّم في دائرة الجمود والموضوعات التّقليدية المملة. مثبّطات تعليم التّعبير والإنشاء: (أ)استئثار المُعَلِّم بالكلام. (ب)تذمُّر المُعَلِّم إذا سمع أو قرأ فكرة لم تعجبه، ما يثبّط التّلميذ ويخيف أصدقاءه أيضًا. (ت)عزل الإنشاء عن باقي فروع اللّغة العربية. (ث) عزل الإنشاء عن الحياة المدرسية والخارجية، والمطالبة بالكتابة عن الموضوعات التقليدية التي قد لا يعرف الطّالب عنها شيئًا. (ج) إجبار الطّلاب على كتابة موضوع واحد يُفرَضُ عليهم. (ح) قلّة تدريب الطّفل على الكلام الشّفوي أثناء الحصص تشجيعًا له على التّعبير. حلول مثبّطات تعليم التّعبير والإنشاء: تكون حلول المثبّطات، بـ: (أ)اختيار موضوعات تتناسب والأَطفال ومراحلهم العمرية. (ب)خلق الحافز. (ت) إصلاح طرئق التّدريس. (ث)منح الطّلاب الوقت والاهتمام والإصغاء إليهم. (ج)الخروج عن الموضوعات الكلاسيكية المملة، وطرح موضوعات مرحة. (ح)تشجيع الطّلاب في إظهار براعتهم الشّفويّة في الحفلات المدرسية والمسارح وإذاعة المدرسة، وتشجيعهم على إظهار براعتهم الكتابيّة من خلال إتاحة المجال امامهم كي يكتبوا في صحيفة المدرسة ومجلاتها سواء في الأدب، أو النَّقد، أو التّربية..كل طالب حسب توجهه… (خ)زيادة محصول الطّلاب اللّغوية من خلال تشجيعهم على القراءات الشّائقة التي يحبونها ويختارونها من مكتبة المدرسة، أو يشترونها من غير أن يمارَسَ عليهم ضغط في اختيارِهم بحجة سطوة الآباء والمعلّمين، مع تشجيعهم على تلخيص ما اختاروه كتابة، أو كلامًا. (د) تخفيفًا لإرهاق المُعَلِّم، يمكنُهَ أن يطلب من الطّلاب كتابة فقرة بدل موضوع كبير، على أن يختار الطّالب هو موضوع فكرته، لا المُعَلِّم، فيخلق المعلِّم- كما سبقت الإشارة- الحافز لدى الطّالب. وعليه ألا يلاحق الطّالب بالقلم الأحمر إلى درجة بث الرّعب في نفسه؛ بل تشجيع أفكارِه ومشاركة الجميل منها مع زملاء الصّف، واضعًا الفكرة- التي قد تتعلق بالرياضة، أو الفن، أو التّاريخ، أو البيئة مما يهتم به الطّفل- في المرتبة الأولى، من غير التّوقف طويلًا عند الأخطاء الإملائية والنّحويَّة، رغم وجوب تصحيحها طبعًا؛ أي: على المُعَلِّم إضاءة الفكرة وتشجيع الإبداع، حتى لو كان إبداعًا يتعلق بموضوع علمي، مع عدم السّماح بالأخطاء الّلغوية والإملائية، فيكون التّعبير والإنشاء في المرتبة الأولى). أخيرًا: صورة التّعبير والإنشاء كما يجب أن تكون في المدارس: أوافقُ المفتش عبد العليم إبراهيم كل الموافقة في القتراحاته التي أعتبرها ثورية في مجال التّعبير والإنشاء، وأطرحُها على أمل أن تأخذها المناهج والمدارس بعين الاعتبار: (أ)الطَّلَب من كلِّ طالِبٍ- في هذه المادَّةِ- أن يلخِّصَ كلَّ ما يعجبُه. (ب)الطَّلَب من كلِّ طالِبٍ- في هذه المادَّةِ- أن يعلِّقَ على كل ما يسمعه أو يقرأه فيعجبه. (ت)الطَّلَب من كلِّ طالِبٍ- في هذه المادَّةِ- أن يسجِّلَ كلَّ خاطِرٍ يخطلر له قبل أن ينساه في دفترٍ خاصٍّ، ويؤرّخ الوقت الذي كتبه فيه. (ث)الطَّلَب من كلِّ طالِبٍ- في هذه المادَّةِ- أن يرى في كلِّ ميادين الرّياضة أو الخيّالة، أو التّمثيل، أو الصّحافة، أو التّأليف، أو التّقديم، أو التَّصوير الفوتوغرافي، أو غيرها مما يهوى مجالًا رحبًا لإنشائه. (ج)الطَّلَب من كلِّ مُعَلِّم- في هذه المادَّةِ- أن يدفعَ طلّابه إلى تطبيق الملاحظات السّابقة. (ح)الطَّلَب من كلِّ مُعَلِّم- في هذه المادَّةِ- أن يثيرَ بين طلاّبه المنافسة البريئة في الكتابة بنوعيها. (خ)الطَّلَب من كلِّ مُعَلِّم- في هذه المادَّةِ- أن يرشدَ طلاّبه إلى قراءات معينة ومراجع يستفيدون منها، ويدلّهم على أماكن تواجدها وطريقة استعارتها، من دون أن يتدخل في اختياراتهم. (د)الطَّلَب من كلِّ مُعَلِّم- في هذه المادَّةِ- أن يتتبعَ كل ما يكتبه طلّابه ويشجعهم عليه بعد إعطاء ملاحظاته وتوجيهاته. (ذ)الطَّلَب من كلِّ مُعَلِّم- في هذه المادَّةِ- أن يكتشف أصحاب المواهب، فقد يكون لهم شأن مستقبلًا في مجال من مجالات الكتابة الموضوعية أو الإبداعية، فيكون له دوره الجليل الذي يُفتَرَض أن يلعبه كل معلٍّمٍ في مجالِه. (ر)يقوِّمُ معلِّمُ الإنشاء طلّابه على أساس ما يقرأونه ويلخصونه وينفعلون به ويسجلونه، وما يبدو من ابتكاراتِهم في فنون القول، وما يتأثرون به من عالم التأليف والصّحافة، وما يبذلون من همّة ونشاط وسَبْق في ميدان الكتابة، وما يرعون- في كل هذا- من نظام وحماسة وارتقاء دائب إلى مستوى الأدب الرّفيع. (ز)يقوَّمُ معلِّمُ الإنشاء بتبيُّنِ أثره في تلاميذه، ومدى نجاحه في دفع هؤلاء التّلاميذ، وخَلق المنافسة بينهم، وفي غير ذلك من نواحي الإبداع. (س) يقوَّمُ المفتّش معلِّمَ الإنشاء والطلاّب، فيعقدندوات لٌشادة بالمبدعين من الطّرفين، والحث على المزيد من العطاء في هذه المادة الصعبة، آخذًا بعين الاعتبار أن الإنشاء فنٌّ، والفنون لا تتعلَّم، ولا تُكتَسَب المهارة فيها إلا بطول الممارسة، ودوام التّدريب عليها. والكتابة- كما السّباحة والغناء والعزف وغيرها- لا تنجلي إلا بالكتابة بأنواعها. مكتبة الدِّراسة: بقاعي، إيمان: معجمُ أدب الأطفال والشّباب العربيُّ. جزل، أرنلد (وآخرون): الطّفل من الخامسة إلى العاشرة. تر: عبد العزيز توفيق جاويد، راجعه: أحمد عبد السَّلام الكرداني، القاهرة، وزارة التَّرْبية والتَّعْليم بمصر، الألف كتاب (54)، ج1، 1956، ج2. عبد العليم، إبراهيم: الموجه الفني لمدرّسي اللُّغَة العَرَبِيّة. مصر، دار المعارف، ط7: 1961. العوادي، هاشم راضي جثير: طَرائِق تدريس القِراءَة. كلية التّربية الأساسية، قسم التّربية الخاصة، جامعة بابل. غريب، روز: (حديقة الأشعار للصّغار). بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشْر. غريب، روز: المحفوظات النّموذجية للصّفوف الابتدائية. لبنان، الصّادر عن مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشر، ج3. غريّب، روز: المَحْفوظات النّموذجية(للصّفوف الابتادائية). بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللُّبناني. الفتلاوي، سهيلة: المدخل إلى التَّدريس. عمان، دار الشّروق، 2007. كمال الدّين، يحيى مصطفى: محاضرات في مادة تقنيات التَّعْليم ومهارات الاتِّصال. جامعة المجمعة. كمال الدين، يحيى، مصطفى: محاضرات في مادة تقنيات التّعليم ومهارات الاتِّصال. مونرو، ماريون: تنمية وعي القِراءَة، الاستعداد للقراءة وكيف ينشأ في البيت والمدرسة. تر: سامي ناشد، مراجعة وتقديم: عبد العزيز القوصي، القاهرة، دارالمَعْرِفَة، نشر هذا الكتاب مع مؤسسة فرانكلين للطِّباعة والنَّشْر، القاهرة- نيويورك، أغسطس، 1961 . نجيب، أحمد: فن الكِتَابَة لِلأَطْفَالِ، دراسات في أدب الأَطْفال. مصر، دار الكاتب العَرَبِيّ للطِّباعة، 1968. وهبة، مجدي: مُعْجَم مصطلحات الأَدَب، إنكليزي، فرنسي، عربي، مع مسردين للألفاظ الإفرنسية والعَرَبِيّة. بيروت، مكتبة لبنان، 1974. يعقوب، إميل؛ بركة، بسام؛ شيخاني، مي: قاموس المصطلحات اللّغويّة والأَدَبية، عربي- إنكليزي- فرنسي. بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1987.