×
محافظة الريث

أعلام من بيش .. الأستاذ موسى عقيل أبو شائقة

صورة الخبر

هند الحمدانية في ليالي الشتاء الباردة ونحن مجتمعون صبيانا وبناتا حول جدتنا أمينة، وأمي تعد لنا الخبز الممتلئ بالسمن العربي ساكبة عليه العسل الجبلي الأصيل ومن الطرف اليمين تفوح رائحة شاي الحليب بالهيل مع نفحات برد الشتاء وفي دفء مشاعر العائلة، والجدة تروي لنا الحكايات القديمة عن قصص النخيل وأبطالها المجهولين مبطنة بتفاصيل مضحكة ولمسة ناعمة من الأمل والفرح والفكاهة فيضحك الجميع مقهقهين من شدة الضحك، فتمتعض جدتي قلقة ويتغير وجهها البشوش وينقبض خافقها بشدة : اعوذ بالله من الضحك، بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من الضحك والقهقهة، خير إن شاء الله يا رب، يا رب خير، الله يكفينا شر الضحك، فتتبدل وجوهنا البشوشة بالقلق وترتاب مخيلاتنا ويخيم على عقلنا الخوف من أمر مجهول لم نستطع أن نتعرف عليه حتى بعد مرور السنين. فلماذا لا نضحك، ولماذا يستفزنا الفرح لهذه الدرجة التي تصل بنا إلى القلق من اللاشيء، وهل حقا خلقنا الله لكي نعيش أياما رتيبة لا يميزها فرح ومرح وضحكات الأمل في مساءات الشتاء بين أحضان الأهل والأصدقاء؟! كبرنا ومرت الحياة سريعا حتى استوقفني ذات يوم شيخ في احدى القنوات التلفزيونية وهو يستعرض أراءه حول تفسير بعض آيات القرآن واسقاطها على حياتنا الدنيوية فيقول: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" أي خلقنا الإنسان في معاناة وشدة وألم من أول ما يتكون في ظلمات بطن أمه الضيقة إلى أن يخرج وهو يكابد ضغط خروجه صارخا باكيا للحياة، ويتألم مع دخول أول ذرة من الأكسجين شاقة الطريق إلى رئتيه، ثم يصارع المشي والوقوع عشرات المرات،ثم آلام فطامه من أمه ومحاولة تناول وجبات لا يحبها، ثم آلام التسنين وبعدها مشقات التعليم و السهر والامتحانات، ثم التوظيف ومشاكل الزواج والابناء ثم المرض وظروف المعيشة، يااااااااه الحياة كبد في كبد ومشقة في مشقة !!! ما هذه الحياة التي يتحدث عنها هذا الشيخ؟! وهل يعقل أن الله سيخلق الإنسان ليتعذب في هذه الحياة إلى أن يلاقيه يوم القيامة؟! هل يعقل أن نعيش الجحيم في الدنيا على أمل لقاء نعيم الآخرة؟! ما هذه النظرة التشاؤمية التي تدفع الإنسان منا إلى الهروب ليس فقط من المسؤوليات والمستقبل بل الهروب حتى من الحياة كلها؛ لذلك لم أتوقف عند تلك الآية فحسب بل ذهبت لما يتبعها من آيات لعلي أجد طريقًا يرشدني إلى حقيقة منطقية تتوافق مع فطرتنا السليمة وإلى آراء وتفاسير متعددة تشرح لنا هذا الكبد، فوجدت أنه روي عن ابن عباس، وابن مسعود وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وغيرهم أن تفسير الكبد هو الاستواء والاستقامة، أي أن الله خلق الإنسان منتصباً ومستقيماً وسوياً مثل ما جاء في الآية: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقوله تعال: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك"، إذا فلماذا يميل البعض إلى إنكار رخاء الحياة وجمالها علينا ولماذا يستكثرون على الإنسان الضحكة ويسر الحياة وبساطة الأيام والأحداث، لماذا ينكرون آيات الله التي تتحدث عن النعيم الذي توعدنا الله إياه في الدنيا قبل الآخرة، كقوله تعالى: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"، وقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقوله تعالى: " يريد الله أن يخفف عنكم" وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة"، أجل الدنيا حلوة وخضرة لمن أراد أن يؤمن بحلاوتها وخضرتها ويسرها، وبمجرد أن نبرمج أنفسنا على استقبال الحياة بإيجابية وبيسر، سوف نتلمس سحر وجمال الحياة وإقبالنا عليها وإقبالها علينا بالخير واليمن والبركات، فما هو سحر الحياة الذي نرنو إليه؟! وكيف الوصول إليه؟! مصطلح سحر الحياة هنا أقصد به أي معلومة وكل معلومة تساعد الناس للوصول إلى أهدافهم بشكل أسرع وبصورة بسيطة وفعالة، فإذاً السحر هو المعلومات التي تحقق سهولة الوصول لأهدافنا وغاياتنا بكل يسر، في هذا المقال اتناول معكم منارات سحرية سوف تسهل الأمور على الجميع وسوف تجعل الحياة أجمل وأبسط. المنارة الأولى تدور حول المعلومات، حيث إن كل المشكلات التي ممكن أن تحصل في هذا العالم سوآءا في الصحة أو العمل أو العلاقات أو الدين أو أي مجال آخر تدور حول سببين أساسيين: نقص المعلومات أو المعلومات المغلوطة، عندما يفتقر الإنسان إلى المعلومة الصحيحة فإنه يتخبط في اتخاذ قرارته في أي شأن من شؤون حياته، ومن يحتكم إلى المعلومة الخاطئة ويتصرف على أساسها فإنه أيضا يعيش عبداً لموروث قديم من المعلومات المغلوطة التي توارثها عبر الأجيال والتقاليد وكلام الناس، فكانت النتيجة نوع جديد من الشرك والوثنية المشيدة في العقول، فالأفكار الخاطئة هي أصنام في العقل توجب على كل إنسان تحطيمها بالتدبر والتفكر،وهناك حقيقة يجب أن تستوعبها عزيزي القارئ جيدا وهي أن المعلومات تعتبر أغلى كنز في كل زمان، فمن يمتلك المعلومات المناسبة في الوقت الصحيح وقبل خوض التجربة فإنه يسابق الزمن في الإنجاز والتطور والتقدم، ولهذا كانت "اقرأ" هي أول رسالة ربانية للأمة لكي تهتدي وتتنور، فالقراءة هي مفتاح للعلم والتفكر والتدبر. منارتنا الثانية هي التوازن، لكي نصل إلى جمال الحياة يجب أن نتناغم معها ونتوازن، فكيف نحقق هذا التوازن وما أركانه؟ الإنسان: روح ونفس وجسد، والروح هي نفخ من روح الله كما قال الله سبحانه وتعالى: "ونفخت فيه من روحي" فهي في أعلى مراتب السمو والقدسية والصفاء، أما النفس فهي الجزء المقابل للجسد، وهي تمثل الحركة الإرادية والحس والمحرك لنشاطات الجسم بأنواعها المختلفة من انفعال وإدراك وأخلاق، ولذلك فإن النفس واحدة ولكنها تمر بمستويات ومراحل مختلفة ترتقي أحيانا واحيانا تضعف فهي متغيرة على الدوام، وتعتمد في غذائها على القيم العليا، وهذا الغذاء غير المادي وغير الملموس يجب أن يكون يوميًا وروتينيًا، لكي نحافظ على توازن النفس ونرتقي بها دائما من مراتب النفس المترددة واللوامة والغافلة والغيورة إلى مراتب النفس الراضية والمطمئنة والمحبة لله، ويجب أن ندرك أن تغذيتنا لأنفسنا يجب أن تتفوق دائما على تغذيتنا لأجسادنا لكي يحدث هذا التوازن والسمو والإيجابية و لنتناغم مع أرواحنا. الوسع هو المنارة التي تخبرنا أن الأمور ستكون تحت السيطرة بإذن الله، فمهما كانت الظروف التي تمر بها الآن والتحديات الكبيرة التي تواجهك اليوم هي تحت سيطرتك وفي نطاق وسعك حيث يقول الله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فهذه رسالة الله لك أنك قادر وانك تستطيع وأن هذا الأمر في وسعك وأنت مستعد له، وهذه الضغوطات التي تستشعرها الآن هي فقط ضغوطات نفسية وهي عبارة عن أفكار سلبية تشكل جدارا وهميا لكي تمنعك من الاستمرار، ولكن مثلما أخبرتك سابقا إن الحياة بسيطة وميسره وسهلة وأنت عليك التركيز الآن على نفسك داعماً لها بقولك: "كلا إن معي ربي سيهدين". ثم يأتي السعي كفنارٍ مشيد على أعلى سارية يمد مساعيه إلى أبعد نقطة وإلى شتى بقاع الأرض وباتجاه كل غاية ورسالة كما يأمرنا الله: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، سعيٌ دؤوب نحو تحقيق الأهداف نحو الإنجاز والغايات السامية نحو كل شيء يجلب الخير فتتيسر الحياة علينا وعلى من حولنا، نحو السعي الذي لا ينتظر منا تحقيق النتائج، إنه السعي إلى الفلاح، فهناك فرق شاسع بين من يسعى لتحقيق الفلاح ومن يسعى لتحقيق النجاح، فالنجاح أن تسعى نحو غاياتك معلقا الاستمتاع حتى نقطة الوصول النهائية للهدف، بعكس السعي نحو الفلاح وهو شعورك بالاستمتاع والراحة والرضا بمجرد بدء السعي حتى وإن لم تحقق النتيجة المرجوة، فالله سبحانه وتعالى يسألنا عن السعي المخلص فقط أما النتيجة فهي على الله. لقد كرمنا الله وأعزنا وأحاطنا بالحب والجمال والعطاء والرحمات: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" لم يجعل الله الحياة دار شقاء بل جعلها دار عبور سهل وميسر باتباع مناراته وآياته.. فلنتذوق سحر الحياة ونعيمها ولنسعد بالقرب من الله وتزكية أنفسنا ولنجعل من رحلتنا الدنيوية جنة نعمرها بالسعي والتفكر والإنجاز والطاقة الإيجابية التي تشق صدورنا عابرة للعالم أجمع ومعلنة أن للدنيا حسنة كما للآخرة حسنة ونحن نستحقها.