مثل زملائي في القسم العلمي بالجامعة، باب مكتبي مفتوح أثناء الساعات المكتبية المخصّصة للطلاب.. وفي يوم من الأيام جاءني زميل لي يريدني في موضوع خاص، وطلب مني أن أغلق باب المكتب، فسألته لماذا، فقال أريد أن أبكي في حديثي معك. الله أكبر (كبّرْت من هول ما سمعت)، وقمتُ بإغلاق الباب ووضعت عليه إعلان «اجتماع»، حتى لا يقاطعنا أحد.. وبدأ الدكتور يبكي، فبادرته قائلاً: خيراً إن شاء الله.. هوِّنْ عليك يا عزيزي.. ما هو الموضوع؟ فقال إنه رأى ابنه يتعاطى السجائر، ولم يحتمل ما شاهده.. فتبسّمْتُ ابتسامة لم تَرُقْ له، وقلت له: عفواً، ألمْ تتعاطَ أنت التدخين وبشراهة؟ فقال: جئتك لتجدَ لي حلاًّ، لا لتشمَتَ بي! فقد أجريتُ فحوصات قبل أسبوع وحذرني الطبيب من التدخين، وإن الإصابة بلغت الرئة، وأنا لا أريد أن أرى ابني ضحية التدخين مثلي. طبعاً هدّأتُ من رَوعه، وأخبرْتُه بوجود حلّ لهذه المشكلة إذا تعاون معي والتزم باقتراحي.. أخبرْتُه بمصارحة الأسرة عند تناوله الطعام معهم بأنك شعرتَ بوَخَزٍ في صدرك، وتم عمل فحوصات، واتضحت علامات في الرئة بسبب التدخين، وإني أخبركم من الآن بأني سأمتنع عن التدخين تماماً حسب نصيحة الطبيب، وأن أعيد الفحص مرة أخرى بعد شهرين.. ونصحته، في الوقت نفسه، إذا فكّر في التدخين؛ عليه أن يخرج من بيته، ويركب سيارته، ويفتح شبابيك السيارة الأربعة حتى لا تبقى رائحة السيجارة في السيارة، ويذهب إلى مسافة تمكّنه من إنهاء سيجارته، حفاظاً على الوعد الذي قطعه على نفسه أمام أسرته.. وبعد فترة لاحظ على ابنه عدم مصاحبته الأصدقاء المتعاطين للتدخين.. وسأله مرة: لماذا لا أراك مع فلان وفلان وآخرين كنت تجتمع بهم وتمشي معهم؟ فأجاب الابن بأنه لا يرغب في مجالستهم.. ويبدو لي أن الابن خاف على أبيه مما سمعه من خبر الفحوصات الطبية، وحرص أن ينأى بنفسه من مخاطر التدخين.. وفي الأخير نصحْتُ زميلي الفاضل بالاستمرار على هذه الخطّة، ويجب أن يحرص ألاّ يكتشف أحد من الأسرة أنه يُدخّن ليبقى مثالاً صادقاً أمامهم، كما نصحته من كل قلبي بالامتناع عن التدخين بالتدريج، أو على أن يهتم بالترشيد في عدد السجائر التي يتعاطاها يوميّاً. وفجأة بعد أشهُر، وصلني خبر انتقال هذا الزميل العزيز إلى رحمة الله.. غفر الله له مغفرة التائبين.