أحدثت الخطوة التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية بإطلاق سراح سجناء سياسيين بارزين، ردود أفعال دولية مرحبة. في المقابل ظهرت حالة من الغضب وعدم الرضا لدى قطاع واسع في الداخل الإثيوبي فيما يتعلق ببعض الذين شملهم قرار الإفراج، أبرزهم مؤسس جبهة تحرير تجراي وقادة نافذون من الجبهة اعتقلوا إبان دخول الجيش الإثيوبي إقليم تجراي العام الماضي. وكانت السلطات الإثيوبية أصدرت، الجمعة، قرارا بإطلاق سراح سجناء معارضين، في إطار مصالحة وطنية دعا إليها رئيس الوزراء آبي أحمد. شمل قرار الإفراج جوهر محمد، الناشط السياسي الأورومي وعضو حزب مؤتمر أورومو الفيدرالي المعارض، كما شمل مؤسس جبهة تحرير تجراي "سبحت نغا" المعروف بـ"أبوي سبحت"، بالإضافة لست من قيادات الجبهة بينهم الحاكم الأسبق لإقليم تجراي، أباي ولدو، وسفير إثيوبيا السابق في السودان، عبادي زيمو. إثيوبيا تعلن إطلاق سراح سجناء معارضين بينهم مؤسس جبهة تجراي ويرى الرافضون لإطلاق سراح قادة جبهة تجراي أن القرار لم يتناسب مع سياق الجرائم التي ارتكبتها من أعمال وصفوها بالإجرامية بمناطق إقليمي عفار وأمهرة الشهر الماضي قبل أن يبعدها الجيش والقوات الخاصة من الإقليمين إلى داخل إقليم تجراي الذي تسيطر عليه الجبهة. لكن الحكومة الإثيوبية بررت قرار إطلاق سراحهم بأنه يأتي "من أجل خلق بيئة سياسية أفضل يمهد لانطلاق الحوار الوطني الشامل والمصالحة بين الإثيوبيين". وانقسمت الأراء الرسمية والشعبية على المستويين الداخلي والخارجي، حيث رحب بالقرا الأمين العام للأمم المتحدة، والاتحادين الأفريقي والأوروبي، فيما عبر قطاع واسع من الشارع الإثيوبي عن غضبه، غير أن وتيرة الغضب وصلت أعلى درجاتها في إقليمي أمهرة وعفار. قبول القرار "الصادم" كان رئيس الوزراء الإثيوبي قد دعا، الأحد، إلى تقبل قراره الذي وصفه بـ"الصادم"، بإطلاق السجناء المعارضين وقادة جبهة تحرير تجراي، مؤكدا أن القرار يهدف لاستمرار الانتصارات والمصالحة. وقال آبي أحمد إن "قرار الإفراج عن بعض السجناء السياسيين جاء من أجل ضمان استمرار انتصاراتنا وجعل إثيوبيا تمضي في طريق السلام"، مضيفا: "نحن لا نريد الانتصار فحسب بل العفو والمصالحة أيضا". ارتفعت حالة الرفض والغضب والامتعاض من القرار بصورة قوية لدى إقليمي أمهرة وعفار، نتيجة للأضرار الجسيمة المباشرة التي لحقت بالمدنيين في المناطق التي غزتها جبهة تحرير تجراي في الإقليمين، معتبرين قرار الإفراج بأنه جاء في وقت لم تندمل فيه الجراح التي أحدثتها الجبهة، بينما تفاوت مستويات الرفض للقرار في الأقاليم الأخرى. كذلك عبرت أحزاب سياسية عن رفضها لقرار الإفراج حيث اتفق حزبي "إيزيما" و"إنات" الإثيوبين المعارضين، في وصف قرار الإفراج عن قيادات جيهة تحرير تجراي بأنه "غير موفق ولا يتسق مع إحقاق العدالة". ودعا حزب "إنات" إلى إتخاذ القرارات وفق القانون وبعيدا عن المكاسب السياسية، حاثا السلطات الإثيوبية على عدم تجاوز صلاحياتها خارج سلطاتها المحدودة وفق ما جاء في بيان الحزب حول قرار الحكومة الأخير . وأوضح الحزب، أن "قرار الحكومة تم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، فضلا عن أنه يضفي شرعية على الجرائم التي ارتكبتها الجبهة والمفرج عنهم من قادتها". وقال إن "النظام القانوني مسؤول عن تحديد الجناة واتخاذ الإجراءات العلاجية المناسبة ضد الأفراد المتورطين في جرائم إنسانية وتدمير للممتلكات العامة والخاصة". واعتبر قرار الإفراج عن قادة جبهة تحري رتجراي "غير قانوني" لمؤسسي جبهة تحريرتجراي التي صنفها البرلمان الإثيوبي بالإرهابية، داعيا إلى أن يأخذ القانون مجراه في الجرائم التي اقترفوها. "أمر غريب" دوليا وجد القرار ترحيبا من الأمم المتحدة والإتحادين الأفريقي والأوروبي، حيث عبرت هذه الجهات عن ترحيبها بخطوة الحكومة الإثيوبية في إطلاق سراح السجناء السياسيين الذي شمل قادة جبهة تحريرتجراي، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مرورا برئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي، وانتهاء بالاتحاد الأوروبي. لكن حزب إيزيما الإثيوبي المعارض، رأى أن خطوة رئيس الوزراء بالإفراج عن سجناء سياسيين "جيدة" لكن أن تشمل قادة جبهة تحريرتجراي الذين مازالوا متورطين في جرائم معاناة إنسانية وتقويض سيادة البلاد وتدمير للممتلكات، "أمر في غاية الغرابة". وأوضح الحزب الذي يتزعمه برهانو نيغا، وزير التعليم الإثيوبي موقفه من القرار، قائلا إنه يعتبر هذه الخطوة الخاصة بإطلاق سراح قادة جبهة تحريرتجراي ضمن السجناء السياسيين بأنه "يعد استهزاء بالنظام القضائي وإهانة للشعب". واعتبر بعض المفرج عنهم "أشخاص تسببوا في معاناة الشعب الإثيوبي في المناطق التي شهدت صراعا". وحذر الحزب من تداعيات هذا الرقرار ، وقال إن هذا القرار غير المتوقع بأن يفرج على قادة جبهة تحرير تجراي، يمكن أن يكون له تأثير عميق على العملية السلمية، حاثا الحكومة على التصحيح الفوري لمثل هذه الممارسات. وأضاف أن "مثل هذه القرارات المتسرعة تقوض العدالة والثقة في المؤسسات وتعطي فرصة للمتمردين الذين لن يهتموا بما جرى من تدمير في البلاد وتقوي الانقسامات". وشدد حزب "إيزيما" على أن نظام العدالة يجب أن يكون منظمًا لضمان العدالة لمواطنيه، وقال: "من الواضح أن الحرب في شمال إثيوبيا تسببت في الكثير من الدمار خلال العام الماضي". ودعا إلى عدم الخلط بين عملية المفاوضات المتعلقة بالحرب والحوار الشامل لحل القضايا الوطنية، معتبرا التمسك بالمسألتين خطوة متعمدة من قبل الحكومة . استكمال لمشروع الحوار ترى أديس أبابا القرار بأنه استكمالا لمشروع الحوار الوطني الشامل الذي أطلقته الحكومة ضمن برنامجها السياسي للانتخابات التي جرت الصيف الماضي. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي إن "قرار الإفراج عن بعض السجناء السياسيين جاء من أجل ضمان استمرار انتصاراتنا وجعل إثيوبيا تمضي في طريق السلام والمصالحة". وكانت الحكومة وعدت عقب إجراء الانتخابات العامة في يوليو/تموز الماضي، بإجراء حوار وطني شامل حول مختلف القضايا الوطنية، من أجل اتخاذ موقف مشترك على القضايا الوطنية. وفي خطوة للإيفاء بوعدها وافق مجلس الوزراء الشهر الماضي، على مشروع إعلان لتشكيل لجنة الحوار كمؤسسة مستقلة، يناط بها إجراء الحوار الوطني الشامل، وأحال حينها المشروع إلى البرلمان الذي صادق فيه بأغلبية الأصوات . ولجنة الحوار الوطني تشمل جميع النخب السياسية والاجتماعية المتنوعة تجاه مختلف القضايا الوطنية الرئيسية بشكل عام، بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء الإثيوبي. وفي ظل هذه المتغيرات المفاجئة للحكومة الإثيوبية يظل قرار أديس أبابا القاضي بالإفراج عن قادة جبهة تحرير تجراي ضمن سجناء سياسيين معارضين، حسب مراقبين، أمرا مهم في سياق ما شهدته البلاد من صراع وحرب استمرت لأكثر من عام ولازالت تمثل تحدى ليس بين أديس أبابا. جبهة تحرير تجراي والتي لم تعلق على القرار الذي خرج بموجبه قادتها من السجون، في وقت لا يزال تدور فيه تدور فيه اشتباكات بين القوات الإثيوبية الحكومية وقوات الجبهة، وفق ما يتردد من أنباء عن الوضع الميداني بين الجانبين.. حالة الصراع المستمرة بين أديس أبابا والجبهة التي تتطلب حلا نهائيا للأزمة خلقت هي الأخرى تحديا بين أديس أبابا والمنظمات الدولية، فضلا عن التحديات التي تنتظر الحكومة من إعمار المناطق التي كانت مسرحا للصراع وأعادة النازحين بعد أن وسعت جبهة تحرير تجراي رقعة المواجهات لبعض مناطق إقليمي أمهرة وعفار، قبل أن تستعيدها الحكومة أواخر الشهر الماضي.