"فرق تسد" (Divide and Conquer) أو (Divide and rule) ليست مقولة إنكليزية المنشأ كما يشاع، بل هي مقولة متجذرة في التاريخ الإنساني، وقديمة قدم السياسة نفسها لأنها برزت ومورست بشكل أو بآخر في كل الحضارات القديمة التي سادت ثم بادت، بعد أن طبقها السومريون والمصريون والفرس والهنود والصينيون واليونانيون القدماء لتفكيك وتحييد قوة أعدائهم، وإضعافها بتوجيهها داخلياً واحدة ضد أخرى، وطبقه الاستعمار منذ نشأته في بداية سبعينيات القرن التاسع عشر من أجل إضفاء الشرعية على احتلاله لبلد ما، فطبقها في أسوأ صورها، واليوم تمارسها كل الأنظمة الاستبدادية وتفرضها على شعوبها في مجالات السياسة والاقتصاد وفي زمن الحرب والسلم، ولم تستثن منها الحياة الاجتماعية. وفي كل الأحوال فإن مبدأ "فرّق تسد" يعمل على تفتيت قدرات الأعداء وتقليل إمكانات المنافسين التجاريين وتحطيم قوة الشعوب لتسهل على مستخدمها، عدواً كان أو محتلاً أو ممسكاً بزمام السلطة ليمنع إقامة أي اتحاد قد يشكل تهديداً اقتصادياً أو سياسياً للسلطة الحاكمة، لتتمكن من فرض سيطرتها العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية على مقدرات الشعوب وثروات الأوطان، وليس بالضرورة أن تكون هذه السلطة دخيلة على المجتمع من أجل أن تحكمه أو أن تفرض سيطرتها عليه، فقد تكون جزءا أصيلا من هذا المجتمع، لأنها تعرفه وتخاف من قوة اتحاده وتهاب ثورته عليها، فتحاول أن تتحكم فيه وتفرض سيطرتها عليه قبل استيقاظه، يعني "اتغدى بالناس قبل ما يتعشوا بيك"، ولهذا فإن الأنظمة الاستبدادية تعمل أي شيء ضد الإرادة الشعبية حتى لو كان الشعب موالياً للسلطة، وحتى لو كان هذا الشعب تحت سيطرة الحكم والسلطة، وكأن عملية الاستبداد ضرب من العناد ولا شيء غيره. ومبدأ "فرّق تسد" يعمل على خلق الانقسامات بين أفراد الشعب، وتشجيع اختراق التحالفات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي ينظر لها وكأنها تحدٍّ للسلطة أو الحاكم، لترسيخ مشاعر عدم الثقة بين فئات المجتمع وطبقاته، وتقريب وتعزيز الفئات التي تبدي استعداداً للتعاون مع صاحب السيادة، ومساعدتهم ومدهم بكل أشكال الدعم لتنفيذ أجندة السلطة، ومن أساليب العناد تشجيع الإنفاق غير المبرر أو التي لا معنى لها، إما من أجل تقليل وإضعاف القدرة على الإنفاق العسكري، أو المبالغة في الإنفاق العسكري وشراء آليات ومعدات غير ذات أهمية أو لا تستخدم من قبل الجيش أو الشرطة. ولا تستغرب إن تحول مبدأ "فرّق تسد" إلى "عاند تسد"، عندما تقوم السلطة بتطبيق أسلوب العناد ضد الرغبة العامة، أو السير عكس التيار الشعبي لترسيخ حالة من الإحباط واليأس لدى عامة الشعب إما من خلال تأخير المشاريع التنموية أو بعدم الاستماع للمطالب الشعبية أو بمحاربة الكفاءات حتى تفشل وتدعم الفاسدين إدارياً ومالياً عن سابق إصرار وترصد لا محض مصادفة، فإذا ما بث الناس شكواهم من سوء حال الخدمات التعليمية أو الصحية وطالبوا السلطة بالتعديل، ازدادت بالتالي حالة التذمر والاستنكار، وبدلاً من تنفيذ مشاريع تنموية معطلة، تتحدث السلطة عن نيتها تنفيذ مشاريع تنموية مستقبلية أضخم بكثير من المشاريع المعطلة.