في السابق القريب من يتخذ قرار الزواج غالبا يكون لإكفاء حاجة؛ أي أن لديه نقصا يريد إكماله، حاجة ما أو رغبة جسدية أو صورة اجتماعية.. كل ومآربه، وللأسف هذا ناتج عن قلة الوعي لدى أفراد المجتمع، حتى أصبحت ثقافة، فهل من المنطق والإنسانية طفلة في عمر الثامنة عشرة أن تُسأل على قرار كهذا! وتوافق! ويتم مساعدتها في اتخاذ هذه الخطوة! وهي لم تنضج بعد!، وتزيد الكارثة سوءاً بقرار الحمل الذي تُدفع له دفعاً اجتماعياً، حتى يستقر هذا الزواج ويثبت -كما يفقهون! غضب بعض الوعاظ على خيار الطلاق، والحديث عنه بسلبية وكأن فاعله فقد إيمانه غير مستغرب، بالطبع لا يطيقون فقدان السيطرة، حتى وإن كان أحدهم لا يريد شريكة حياته نهائيا، يُبقيها ويتزوج عليها لثقافة الاستعباد المتأصلة بهم، بعضهم أيضا صنع زواج «المسيار» و«المسفار».. إلخ، بالتالي لا يمكنك أن تقيم مدى رجاحة رأي خرج من منظومة فكرية مضطربة! لكن امتعاض الاجتماعيين على قرار الطلاق هو ما لا أفهمه، فمثلا أحد أشهر دكاترة علم الاجتماع كنت أشاهده منذ الصغر على التلفاز باستمرار، واطلعت على أطروحاته المتوفرة على شبكة الإنترنت يستمع لمشاكل الأزواج، لاحظت أمرا غريباً!، إذا كانت الشكوى من زوج على زوجته ينصحه بالحزم مع زوجته أو تهديدها بالانفصال عنها والارتباط بأخرى أصلح وأكثر طاعة. أما إذا كانت الشكوى من الزوجة على زوجها فيقول لها لن تكوني زوجة صالحة ما دمتِ تشتكين، الصبر.. الصبر فالرجال كالأطفال ومن الطبيعي أن يخطئوا! عجبي.. الغالبية العظمى من الاجتماعيين ذوو الصوت العالي بنفس هذا التوجه الجندري، وأعتقد أنهم متأثرون بالوعظ، لم أسمع أو أقرأ لمتخصص في علم الاجتماع من العرب يقول إن في الطلاق حياة أفضل للأطراف، وأنه حق مشروع لهم مثله مثل الزواج، وإن وجد بينهم أطفال فلن يكونوا أفضل حالاً بمشاهدتهم لوالدين تعيسين، لا فائدة من إجبارهم على العيش سوية، وبالتالي ظهور مشاكل أكبر يكون ضحيتها أبرياء، والدين بعيدين سعداء أجمل من والدين قريبين تعساء، «استمرار الزواج بدون رغبة» و«الطلاق» كلاهما سوء، ولكن أليس اتخاذ الأقل سوءاً هو الأرجح؟. الطلاق ظاهرة جيدة، بل جيدة جدا رغم قساوتها، إن كان قرار الزواج خاطئا فحله الطلاق، الزواج ليس لعنة لا يمكن التخلص منها!، لا بد أن نستوعب أنه مع زيادة الوعي والإدراك تتغير قناعات الإنسان ورغباته، أما استمراره في التعاطي مع ما لا يرغبه ويُجبر عليه يعني أنه قابل للتعرض لاضطرابات عدة وأيضا توريثها، استمرار الزواج لا يعني نجاحه أبداً، بل إن أحد أطرافه يقبل التضحية أو كلاهما. والعلاقة الزوجية ليست فقط تشاركية بين شخصين واتفاقا وديا على العون في المهام والمتطلبات الحياتية تحت غطاء الحب! هذه سذاجة غير واقعية، بشكل منطقي.. أن تشارك حياتك مع أحد يعني أن تتخلى عن جزء من حريتك، فهل أنت جاهز لهذا الأمر في المقام الأول؟، هل تعلق المشاعر كافة لقرار كهذا؟ الأمر أعقد مما تراه وقرار لا يجرؤ عليه عاقل، ولكن الجاهل كان عليه عجولا.