×
محافظة الرياض

الغيمة السعودية التي أمطرت في حضرموت

صورة الخبر

لا تبحث عن أطماع أو نفوذ. ليس في قاموسها مساومة الأشقاء، أو قبض الثمن من الإخوة. لم تعتد على ذلك منذ تأسيسها. ولا تبحث عن مدح لا من مواطن؛ ولا أجنبي. ونحن لسنا في صدد ذلك، إنما نتحدث للتاريخ. السعودية سيدون لها التاريخ، أنها قطعت الطريق أمام نافذة كانت على وشك أن تفتح، لتسهم بمزيد من التشظي في اليمن، وهي دولة لديها الكثير من ملفات المعاناة والفرقة. ذهب فريق سعودي قبل أيام إلى حضرموت، التي تعاني من محاولات بعض الإخوة السيطرة عليها. اجتمع الوفد وأجرى مفاوضات مع الأطراف المتنازعة من السلطات المحلية وحلف القبائل في المنطقة. قالت الرياض بالصوت العالي وبكل وضوح أمام كل العالم بعد أن أقنعت تلك الأطراف بصيغة تضمن التعايش "حضرموت ركيزة وأولوية أساسية للاستقرار، وليست ساحة أو ميدانا للصراع. حضرموت لديها كوادر مؤهلة من أبنائها لإدارة شؤونها ومواردها. يجب أن تدار عبر مؤسسات الدولة الرسمية ممثلة بالحكومة والسلطة المحلية". وفي ذلك رسائل سعودية واضحة. ما هي؟ أولا: السعي لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في اليمن، والانتقال به من مرحلة النزاعات إلى مرحلة يسودها الاستقرار والأمن. ثانيا: التركيز على تحقيق تطلعات الشعب اليمني، نحو مستقبل أفضل من الرخاء والتكامل الاقتصادي. ثالثا: ضرورة استفادة المكونات اليمنية من هذه الفرصة، وتقديم الأولويات التنموية، والتسامي على الخلافات، وتجنب أي تصرفات يمكن أن تزعزع أمن اليمن واستقراره. على الأقل في هذا الجزء. ماذا بعد؟ إيلاء مطالب أبناء المحافظات الجنوبية أهمية خاصة، من خلال دعم حقوقهم المشروعة عبر المسارات السلمية والأدوات الفاعلة، بعيدا عن أي صراعات أو أعمال عسكرية. والتحركات السعودية تلك، تقوم على إيمان مطلق بأن القضية الجنوبية قضية عادلة، ولا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية، فهي قضية تشمل الشعب الجنوبي بجميع مكوناته، من الصعب اختزالها في شخص ما، أو مكون المجلس الانتقالي. ومن هذا المنطلق، يتضح أن المنهجية السياسية التي طبقتها المملكة في هذا الملف، لم تأخذ بعين اعتبارها مجاملة أحد أو طرف معين، على حساب الشعب اليمني. كيف؟ يتأكد ذلك من خلال النظر إلى رأيها بأن الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، تعد خرقا صريحا لمرجعيات المرحلة الانتقالية؛ وتقويضا لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديدا خطيرا للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية، ومحاولة للقفز على جميع الأطر القانونية والسياسية؛ وتبنيا لمنهج الميليشيا الحوثية في اليمن. السؤال: لماذا شبهت خطوة المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، بمنهج ميليشيا الحوثي؟ منعا لتبسيط فكرة تفكيك الدولة، للوصول إلى مناخ تعايشي بين كيانات محلية مستقرة، التي يمكن التعاون معها لبناء دولة يمنية قابلة للحياة. إنما ثمة برأيي ما يمكن النظر إليه بأهمية. مثل ماذا؟ مثل أن استقرار حضرموت وابتعادها عن الخصومات والفرقة والتقسيم القبلي والديموغرافي، يعد ثقلا استراتيجيا وجيوسياسي، مضادا لجماعة أنصار الله "ميليشيا الحوثي" المتمردة. وبالمناسبة على ذكر الجماعة المارقة، فيجب القول إنها تخشى وترتعب من قبائل حضرموت لعدة مسببات. ما هي؟ التماسك والتكاتف الاجتماعي. ثانيا: استقلال القرار والتنظيم ورفض المنطق الميليشياوي. ثالثا: امتلاك حضرموت شبكة من المقومات الاقتصادية، كالنفط والموانئ. رابعا وهذا المهم: علاقتها مع السعودية وارتباطها التاريخي. وهذا ما يفسر عدم قدرة أنصار الله على اختراقها، وإخضاعها كما أخضعت بقية المدن الأخرى، بالمال، أو الدين، أو السياسة، أو زرع الفتنة، والترهيب. برأيي، إن المجلس الانتقالي تسبب لنفسه بكثير من الضرر، وأسهم في تفريغه من مضمونه السياسي، الذي كان يمكن أن يعول عليه الإنسان اليمني. وذلك نظير اقتراف القوات التابعة له عددا من الانتهاكات منذ سيطرتها على حضرموت، وتنفيذ إعدامات غير قانونية بحق أسرى عسكريين، واعتقال الكثير تعسفيا، وإخفاء أعداد من المدنيين والعسكريين قسريا، بالإضافة إلى نهب المنازل والمحلات التجارية، في صورة يرفضها المجتمع اليمني، كونها خارج سياق أخلاقياته وثقافته الاجتماعية، التي تضع قيودا صارمة على مثل تلك الحماقات. وهذا المشهد في الواقع، أحد الأسباب التي قادت المملكة للدخول على خط الأزمة. لأنها ترى ذلك محاولة لفرض واقع جديد بقوة السلاح لا القانون، يمكن أن يتسبب بخلق حالة من التوتر وعدم الثقة في الداخل اليمني، قد تؤدي لصراعات داخلية. لذلك لم تتوان عن تدخلها بشكل محمود، ينعكس بالإيجاب بنهاية المطاف على اليمنيين. أعتقد أن قدر السعودية المستمد من ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، يضعها في موضع تحمل المسؤولية الأخلاقية، تجاه ملفات الأشقاء، وليس على أساس نفعي أو مصلحي لاكتساب نقاط سياسية، أو نفوذ استراتيجي في المنطقة والعالم. إن ممارسة الرياض دبلوماسية لم الشمل، والخروج بأقل الخسائر، وتقديم تطلعات الإنسان ومعيشته على منافع السياسة وأربابها، هي إحدى أبرز العوامل التي باركتها كوسيط نزيه، يحظى بثقة عالمية كبرى، لم تشتر بقوة العلاقات، ولا بسطوة المال ولا حتى بالحب. تريد الدليل يا صديقي، انظر للغيمة السعودية.. التي أمطرت في حضرموت.