هناك من يرحل فتغيب ملامحه عن الحضور، وهناك من يرحل ويظل أثره ماثلاً في الذاكرة، يضيء بفعله الكريم وسيرته الطيبة. ومن بين هؤلاء الرجال الذين يبقون حيّين في وجدان من عرفهم، الشيخ عبدالله بن محمد المنقور، رحمه الله، الذي نودّعه اليوم بسيرة عطرة ومجلس مفتوح لا ينطفئ عطاؤه. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة الخال الغالي عبدالله بن محمد المنقور، رحمه الله، في يوم الأحد الموافق 9-6-1447هـ؛ كان هذا الخبر فاجعة ثقيلة، ودعوة للتأمل في إرث رجل ترك أثراً لا يُقاس بالمال أو المناصب، وإنما بميزان الخير والعطاء المتواصل. إعلان لقد كان رحمه الله، نموذجاً للتكافل الإنساني، ورمزاً للكرم الذي يرتقي بروحه إلى العطاء المحبّ. ومن أبلغ ما يُروى عن سيرته عادته السنوية في شهر رمضان المبارك؛ فمنذ سنوات طويلة، لم يفطر منفرداً قط، حيث كان مجلسه العامر مفتوحاً للجميع، على مائدة إفطاره كان يلتقي القريب والبعيد، في مشهد يجسد أسمى معاني الإخاء والمحبة. أن يختار المرء مشاركة إفطاره مع الناس، وأن يؤثر ضيوفه في وقت يزداد فيه الأجر، دليل على قلب احتضن الجميع، وتوجّهٍ ثابت نحو الخير. سيرته امتدت إلى روابط اجتماعية أعمق من الضيافة الكريمة، فقد كان رجل وصل بامتياز، حريصاً على صلة رحمه وأقاربه، محبوباً في مجتمعه، يشيع الصفاء والمودة أينما حلّ. هذا الوصل كان منهج حياة، صنع منه جسراً بين القلوب، ومحوراً اجتماعياً يلتف حوله القريب والبعيد. وإلى جانب دوره الإنساني، كان في دور المعلم المتقاعد ورجل الأعمال، مثالاً للمواطن الذي ينهض بخدمة مجتمعه عبر العمل والإنجاز. إسهاماته في مدينة حوطة سدير واضحة، حيث وضع جهده وماله فيما ينفع أهلها. وفضله على الناس ممتد؛ وسّع في أرزاق الكثيرين، ومد يد العون لمن يعرف ومن لا يعرف، متجسداً فيه القول المأثور: «إنما الناس بالناس، ما دام فيهم عرق ينبض.» رحل عنّا بعد معاناة مع المرض، تاركاً سيرة حسنة تنير الطريق لمن بعده. القيمة الحقيقية للإنسان تظهر في أثره الطيب، وفي القلوب التي أسعدها، وفي الخير الذي غرسه في أيامه. *** - خالد بن محمد البابطين