×
محافظة العديد

وزارة كفاءة حكومية.. قنبلة ترامب الرئاسية خفْض الهدر ومكافحة البيروقراطية علاج رائع حتى وإن كانت الوصفة صادرة عن ترامب. إنه علاج قد ينفع مع الولايات المتحدة ولكن هل ينفع في حالات البترُ فيها هو الحل الوحيد.

صورة الخبر

هل نحن على وشك رؤية “حرب مقدسة” لإنقاذ أميركا ومعها النظام الرأسمالي؟ هذا ما توحي به كلمات الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، عندما أعلن أمام مناصريه عن عزمه إنشاء وزارة كفاءة حكومية (DOGE)، يتولى رئاستها إيلون ماسك، الذي وصفه ترامب بـ“العظيم”، ويساعده في ذلك “الوطني الأميركي” فيفيك راماسوامي. الثلاثة (ترامب وماسك وراماسوامي) عازمون على شن حملة لـ“إنقاذ أميركا” من الهدر، في إشارة ضمنية إلى حركة سياسية واجتماعية نشأت في الولايات المتحدة كجزء من دعم السياسات المحافظة والشعبوية، وارتبطت ارتباطا وثيقا برؤية ترامب وسياساته. تهدف الحركة إلى التركيز على المصالح الأميركية من خلال مكافحة الفساد، وإصلاح المؤسسات الحكومية، وتعزيز الحدود والسيادة، ودعم الحرية الاقتصادية، بالإضافة إلى مواجهة التيارات الليبرالية التي يعتبرها المؤيدون تهديدًا للقيم الأميركية. قد لا يحتاج ماسك إلى أن نعرّف به، على عكس راماسوامي، الذي رغم أنه لم يحز شهرة ماسك إلا أنه أحد الرموز البارزة في عالم التكنولوجيا الحيوية والاقتصاد، عُرف خاصة بدعوته إلى تقليل دور الحكومة في إدارة الاقتصاد، مركزًا على “أهمية الحرية الاقتصادية ودور الشركات في دعم مصالح الشعب الأميركي.” ◄ الاهتمام بالتجربة سيكون أكثر جدية خارج الولايات المتحدة؛ ليس فقط بسبب الخسائر التي يتكبدها بعض الحكومات من عمولات تجري تحت الطاولة بل لأن معظم دول العالم مبتلٍ بوباء الهدر وعدم الكفاءة معًا، كما يقول ترامب، “سيشق هذان الأميركيان الرائعان (ماسك وراماسوامي) لإدارتي طريق تفكيك البيروقراطية الحكومية، وتبسيط الأنظمة، وخفض النفقات المهدرة، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية.” لكن ما المطلوب من الوزارة الجديدة بالتحديد؟ رغم تسميتها وزارة إلا أنها ستعمل بصورة مستقلة عن الحكومة، وتتمثل مهمتها الرئيسية في تقديم توصيات لتقليص حجم الوكالات الفيدرالية، وخفض التكاليف من خلال التخلص من الوظائف التي تعتبر “هدرا مفرطا للمال العام”، إضافة إلى تحديد الموظفين المصنفين “فائضا غير منتج” وفصلهم. ينتظر ترامب أن يجري الاثنان، إيلون وفيفيك، “تغييرات على البيروقراطية الفيدرالية، مع التركيز على الكفاءة، وجعل الحياة أفضل لجميع الأميركيين.” وذلك عن طريق “القضاء على الهدر الهائل والاحتيال الموجود في إنفاق الحكومة السنوي البالغ 6.5 تريليون دولار.” المهمة يجب أن تنتهي في موعد أقصاه 4 يوليو 2026، بإعلان “حكومة أصغر، وأكثر كفاءة، وبيروقراطية أقل،” لتكون “هدية مثالية لأميركا في الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال.” خلال حديثه عن الوزارة الجديدة قارن بينها وبين “مشروع مانهاتن” وقال إنها تجلّ لهذا المشروع في عصرنا الحالي، وإن “الجمهوريين قد حلموا بأهدافها لفترة طويلة.” وللتذكير، مشروع مانهاتن هو مشروع علمي وعسكري أميركي سري أطلق عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية لتطوير أول قنبلة نووية في العالم. ولم يغب عن ترامب أن يشير إلى أن فكرة المشروع تعود إلى ماسك، مؤكدا “أن وزارة الكفاءة الحكومية ستقدم النصيحة والإرشاد من خارج الحكومة.” مهما كانت نوايا ترامب وماسك من وراء إنشاء الوزارة الجديدة، ومهما اختلفت الآراء حولها، فإن الشيء المؤكد أن الإعلان عنها، وفق ترامب، “سيولد صدمات في جميع أرجاء الولايات المتحدة، تطال خاصة كل من ساهم ويساهم في الهدر الحكومي، وهم كُثر!” عملُ ماسك من خارج الحكومة سيمنح الرجل الأغنى في العالم فرصة عدم الكشف عن ثروته، مثيرا مخاوف جدية من تضارب المصالح. شركات ماسك الست، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، “متشابكة بعمق مع الوكالات الفيدرالية، وتجني سنويّا مليارات الدولارات من عقود إطلاق الصواريخ، وتستفيد من بناء الأقمار الاصطناعية وخدمات الاتصالات الفضائية.” ◄ التشدد في الإجراءات الإدارية المعقدة وغير الضرورية يزيد التكاليفَ ويؤدي إلى هدر الوقت والموارد ولكن هذه الشكوك لم تمنع مراقبين آخرين من إبداء تفاؤلهم ومساندتهم للوزارة، ويرون في خطوة تعيين ماسك لقيادة “وزارة الكفاءة الحكومية” توجها غير تقليدي في الإدارة الأميركية المقبلة. ويأمل أنصار ترامب أن تؤثر هذه الخطوة على مستويات متعددة، فقد تعكس محاولة جادة لتقليل البيروقراطية الحكومية وتوجيه الاقتصاد نحو كفاءة أعلى، من خلال تبني الأساليب المتبعة في القطاع الخاص، بما في ذلك النموذج الذي يمثله ماسك والذي أدى إلى نجاحه الباهر، خاصة التركيز على الابتكار والتحول الرقمي والحد من الهدر المالي. ويتوقع المراقبون أن يكون الاهتمام بالتجربة الجديدة أكثر جدية من خارج الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب الخسائر التي يتكبدها بعض الحكومات من عمولات وصفقات تجري تحت الطاولة ومن خلف الكواليس، بل لأن معظم دول العالم مبتلٍ بوباء الهدر وعدم الكفاءة في إدارة الموارد المالية. وقد ينجم عن هذه التجربة تغيير في العلاقات بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لاسيما إذا استطاعت الإدارة الأميركية تحقيق قدر أكبر من الكفاءة وتقليل الإنفاق الهائل على البيروقراطية. الجميع سيتابع قنبلة ترامب – ماسك الاقتصادية عن كثب لمعرفة ما إذا كانت ستعزز قوة أميركا ومكانتها كوجهة استثمارية. وبناءً على النتائج، يمكن أن يصبح النهج الأميركي الجديد مصدر إلهام للدول الأخرى لتعيد النظر في نظمها البيروقراطية، وتبني نماذج أكثر مرونة في الإدارة. من الصعب تتبّع الهدر المالي -الناجم عن عدم الكفاءة والفساد والتهرب الضريبي وارتفاع الديون- في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتبّعا فعليا وتقديم أرقام صحيحة عن حجم هذا الهدر. ولا تشكل التقديرات المنشورة سوى الجزء البارز من جبل الفساد. وما خفي، لأسباب كثيرة، أسوأ مما هو مصرح به. التقارير تؤكد أن الكلفة الاقتصادية للفساد في المنطقة تصل إلى حوالي 3.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يعادل 116 مليار دولار سنويا. كما أن مدركات الفساد لعام 2022 أظهرت أن متوسط درجة الفساد في المنطقة هو 38 من أصل 100 (صفر نقطة يعني أن الدولة شديدة الفساد، و100 نقطة تعني أن الدولة شديدة النزاهة)؛ أي أن الرقم الممنوح للمنطقة يضعها في خانة الدول الفاسدة، وهو ما يشير إلى نقص الكفاءة في إدارة الموارد العامة ويعيق التنمية الاقتصادية. ومع ذلك يقول المراقبون إن الأرقام الحقيقية أسوأ بكثير. دعونا نذكر قائمة بعوامل الهدر المالي في ميزانيات الدول، وهي متعددة ومعقدة، وتشمل العديد من الجوانب الاقتصادية والإدارية. يأتي الفساد المالي والإداري على رأس القائمة، ويشمل الرشاوى والتلاعب بالعقود والاختلاس، وهو ما يؤدي إلى فقدان مبالغ كبيرة من الأموال العامة. ◄ رغم تسميتها وزارة إلا أنها ستعمل بصورة مستقلة عن الحكومة، وتتمثل مهمتها الرئيسية في تقديم توصيات لتقليص حجم الوكالات الفيدرالية، وخفض التكاليف من خلال التخلص من الوظائف التي تعتبر “هدرا مفرطا للمال العام” يليه سوء إدارة الموارد وعدم الكفاءة في تخصيصها واستخدامها بشكل غير فعال. ويتنافس معه في ذلك التهرب الضريبي؛ إذ يتسبب عدم جمع الضرائب بشكل فعال في فقدان إيرادات ضخمة. ويزيد التشدد في الإجراءات الإدارية المعقدة وغير الضرورية التكاليفَ ويؤدي إلى هدر الوقت والموارد. إلى جانب العوامل السابقة هناك عوامل مثيرة للخلاف، ومنها الدعم الحكومي، الذي يرى فيه البعض ضرورة، بينما يعتبره آخرون غير فعال ويؤدي إلى هدر مالي كبير. وهناك أيضا التضخم المالي والديون الخارجية وسوء التخطيط الاقتصادي، والنفقات العسكرية والأزمات السياسية والأمنية، وهي عوامل قد لا ترى فيها الدول المبتلية بها هدرا ماليا. في حال استخدمنا الأرقام التي تحدث عنها ترامب، وهي تحدد قيمة الهدر في الولايات المتحدة -التي تبلغ ميزانيتها 6.5 تريليون دولار- بـ2 تريليون دولار، يمكن لنا أن نقدر حجم الهدر في دول المنطقة -التي تفوق ميزانياتها مجتمعة 3 تريليونات دولار- بـ1 تريليون دولار، وليس 116 مليار دولار كما هو معلن. خفض الهدر ومكافحة البيروقراطية علاج رائع، وإن كانت الوصفة صادرة عن ترامب. إنه علاج قد ينفع مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان. ولكن -لنكن صرحاء- هل سينفع الدواء في حالات استعصت على البتر؟