لقد وقعت رحلة حج دينيه في نفسي موقعاً حسناً فعزمت على ترجمتها والتعليق عليها، فهي درة بين الرحلات، بصدق صاحبها، وحبه للعربية ولتاريخ العروبة والإسلام. وعندما استقصيت أمر الرحلة علمت عن صدور ترجمة لها في المغرب؛ عن المركز المغربي للتوثيق والبحث في أدب الرحلة، بعنوان: «الحج إلى بيت الله الحرام» ترجمها الدكتور عبد النبي ذاكر، مطبعة أنفوبرنيت، المغرب، ط1، 2006م. وكتب في اسم المؤلفين: ديني، وباعمر، والصحيح ما اعتمدناه. أما الترجمة الثانية فقد صدرت مؤخراً بعنوان: »الحجّ إلى بيت الله الحرام: رحلة الحج الأكبر عام 1929م»، تأليف: المستشرق الفرنسي ناصر الدّين دينِيه/وسليمان بن إبراهيم بَاعْمَر (باعامر)، وترجمة الدكتور مصطفى دحية، دار كردادة للنّشر والتّوزيع -بوسعادة، أكتوبر 2024م. وقول المترجم: الحج الأكبر زيادة ليست في الأصل وإنما هو استنتاج يمكن الإشارة إليه في المقدمة. وما زلت أنتظر وصول نسخة من هذه الترجمة لرؤية إمكانية إصدار ترجمة سعودية. إن مغادرة هذا المسار دون أن أتحدث عمن سميتهم «آل روسو» إخلال بالبوصلة لأن لهم إسهاما في تاريخ الشرق عموماً وفي التاريخ السعودي على وجه الخصوص. ولعله من الإنصاف هنا أن أذكر البحث الذي نشره أ. د. محمد آل زلفة في المجلد الأول، العدد الأول، من مجلة الدرعية محرم 1419هـ/مايو (أيار) 1998م، ص 145-170. وتضمن معلومات مهمة جاءت في تقرير أعده جوزيف روسو لوزارة الخارجية الفرنسية قدمه وعلق عليه د. آل زلفة واطلعت عليه في غمرة اهتمامي بالدولة السعودية الأولى، وبالكتابات الفرنسية عنها واكتشفت بعد حين أن هناك حلقة مفقودة فيما قرأته مع أنه فتح لي أبوابا للبحث والتنقيب عن الوجه الذي تستقيم به الأمور. وما نشره الدكتور آل زلفة وقال إنها تقارير كتبها روسو وأرسلها إلى وزارة الخارجية الفرنسية مرفقة بأول خريطة لمدينة الدرعية كانت الحالة الأولى لها منشورة قبل في مجلة «كنوز الشرق»» Les mines de l›orient التي كانت تصدر في فيينا منذ عام 1809م. وقد نشر روسو في هذه المجلة كل ما كتبه عن الدولة السعودية الأولى ثم عاد عليه بالزيادة والتنقيح وأرسله تقارير إلى وزارة الخارجية الفرنسية. (انظر ما قدمنا به لترجمة رسالة روسو إلى جوانان، قنصل فرنسا في ميمل عن الخيول العربية) التي سنتحدث عنها في سياق هذا الحديث. عندما قلت: آل روسو كنت أعني روسو الجد والابن والحفيد؛ ففصلت القول في حياتهم الأسرية والمهنية في بحث عنوانه: «فهرس المخطوطات التي باعها جان باتيست لويس جاك روسو لحكومة روسيا القيصرية، دراسة تاريخية وصفية، مجلة العرب، مج 47، ع9 و10، 2012م 1433هـ، ص 575-576 . وتحدثت عن أشهر كتب الحفيد في بحث جامع عنوانه: «جان - باتيست - لويس - جاك روسو وكتابه وصف ولاية بغداد مذيل بتعليقة تاريخية عن الوهابيين وبعض المقاطع الأخرى المتعلقة بتاريخ الشرق وأدبه، مجلة العرب، مج40, ع 3، 4، 1425هـ/2004م ص 227-252 . وقد أوردت لهما ترجمة ضافية من سيرتهما الموسوعية وعلقت عليها من «معجم التراجم الكونية» للمحقق والمؤرخ الفرنسي جوزيف فرانسوا ميشو Joseph-François Michaud 1767-1839م بالفرنسية. إن تسابق القناصل الفرنسيين على تدوين أخبار الدولة السعودية الأولى؛ وهو تسابق يدل على ما كانت تتمتع به تلك الدولة في المشهد السياسي في الجزيرة العربية وبلاد الشام والخليج العربي والبحر الأحمر. لقد فصلت القول في ذلك في بحثين أولهما: «جان ريمون وكتابه التذكرة في أصل الوهابيين وقوتهم ونفوذهم بعد أن أصبحوا أمة»، مجلة العرب، مج 39، ع1، 2، 2003 م/1424هـ، ص 27-49. وفيه تفصيل وضحت فيه أسبقية جان ريمون في إعداد التقارير لروسو وكورلنسيه لكي ترسل إلى الخارجية الفرنسية. ولما نشب الخلاف بين روسو وريمون بسبب تقدير المبلغ الذي أنفقه روسو في رحلته من حلب إلى بغداد أكملت قصة هذا التنافس والتعاون في بحث عنوانه: «جان-باتيست-لويس-جاك روسو وكتابه وصف ولاية بغداد ... ثم نشرت هذا الكتاب كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وأكملت لوحة هذا التنافس في بحث ثالث عنوانه: «رحلة القنصل جوزيف روسو من حلب إلى بغداد عام 1805م»، مجلة دارة الملك عبد العزيز، مج 32، ع 3، 2006 م/1427 هـ، ص 201- 228 . وترجمت في هذا البحث المقدمة الضافية المفصلة التي كتبها المؤرخ الفرنسي هنري دو هيران الذي فصل القول في ملابسات الرحلة وتفاصيل الخلاف بين روسو وريمون. ومما يجدر ذكره أن هذه الرحلة نشرت بعنوان مغاير لعنوانها المذكور أعلاه؛ فقد نشرتها الدار العربية للموسوعات (لبنان) بعنوان: «رحلة إلى الجزيرة العربية سنة 1808م، للرحالة لوي جاك روسو القنصل الفرنسي ترجمة الأب د. بطرس حداد 2010م/1420هـ. وهذا العنوان مخالف للنص الفرنسي ولم تجر الإشارة إلى المقدمة المهمة التي ترجمتها في ب حثي الموثق أعلاه. ولروسو رحلة أخرى من بغداد إلى حلب عام 1808م أيضا. ترجمت مقدمة ناشرها لويس بونوسو Louis Ponossoutوقد نشرها بونوسو عن مخطوطة المؤلف لدى الناشر جان أندريه باريس 1899م.J. André ولا بد لي في هذا السياق من ذكر أحد الباحثين الشباب الذين يعملون بصمت ويجمعون من نوادر الكتب والصور والوثائق. ولا يبخلون بمال أو جهد ولا يسعون إلا للتعبير عن حبهم للتاريخ السعودي ويبذلون للحصول على الصور والوثائق الأولى التي نشرت عن عاصمة الدولة الأولى إنه الباحث الصديق سليل الجدين الأستاذ سعود بن عبد العزيز بن عمر العبد اللطيف وفقه الله، الذي حصل على أصل أول التقارير الفرنسية التي نشرها ريمون، وقد كانت أول ما نشر عن الدعوة الإصلاحية في أوروبا. ومن حوادث الوفاء النادر ما حدثني به الأستاذ سعود عن جده لأمّه الشيخ محمد بن عبد الرحمن الباهلي رحمه الله الذي تولى إمارة الدرعية سنوات (1384-1420هـ)، قال: «بدت على جدي الشيخ محمد بن عبد الرحمن الباهلي (1327 - 1426هـ) -رحمه الله- في آخر سنواته في إمارة الدرعية آثار كبر السن، فجاء جماعة من أهل الدرعية للملك سلمان -حفظه الله- يوم كان أمير الرياض فقالوا له: محمد الباهلي يا طويل العمر ما عاد يصلح لإمارة الدرعية ودنا بغيره .. فرد عليهم الملك سلمان وقال: ما اغيره لو ما يبقى إلا بشته على الكرسي! ولن يأتي من بعده في الإمارة إلا واحد من آل سعود؛ وهذا ما حدث إذ تولى الإمارة بعده صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن ناصر بن عبد العزيز، (1366 -1443هـ/1947-2022م) -رحمه الله. ثم سمو الأمير أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود. ثم صاحب السمو الأمير فهد بن سعد بن عبد الله بن تركي آل سعود اليوم. وأختم الحديث عن مساري مع آل روسو بالإشارة إلى ثلاثة أبحاث مكتوبة ومترجمة تقترب من السياق الذي نحن فيه: أولها بحث عن الخيل العربية هو؛ «رسالة السيد روسو، قنصل فرنسا العام في حلب إلى السيد جوانان قنصل فرنسا العام في ميمل عن الخيول العربية»، مجلة دارة الملك عبد العزيز، مج 35، ع 2، 2009م، ص 201-231. والبحث من الأبحاث الرائدة في توضيح شؤون تجارة الخيل العربية وصفاتها وأماكن وجودها، ويظهر الجانب العلمي والتجاري الذي كان يتمتع بهما السيد روسو. ونشرت في مقدمتي لهذا البحث الترجمة الحفيلة لجاك روسو الحفيد التي كتبها لويس بونوسو في مقدمته لرحلة روسو الثانية من بغداد إلى حلب التي سبق توثيقها وفيها معلومات مهمة عن آل روسو ورحلاتهم والإنتاج العلمي للحفيد على وجه الخصوص. وميمل Memel التي ورد ذكرها في عنوان البحث المترجم ميناء تاريخي على بحر البلطيق يعود إنشاؤه إلى عام 1252م، و يقع اليوم في جمهورية ليتوانيا. أما جوانان فهو جوزيف-ماري جوانان Joseph Marie Jouannan (1782-1844م). مستشرق ومترجم ودبلوماسي فرنسي كان سكرتيرا أولا ومترجما لملك فرنسا للغات الشرقية وعضو بعثة غاردان إلى بلاد فارس، وعضوا في الجمعية الجغرافية الفرنسية. ولنا لقاء.