يثير انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة آمالا ومخاوف في الوقت ذاته وذلك في ضوء تجربة سابقة له في البيت الأبيض بين عامي 2016 و2020. مصدر الآمال أنّه أظهر بين حين وآخر في السنوات الأربع التي أمضاها سابقا في البيت الأبيض صفات قيادية، خصوصا عندما أمر باغتيال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” مطلع العام 2020، بعيد خروج الأخير من مطار بغداد. كان سليماني بمثابة الرجل الثاني في إيران، بعد “المرشد الأعلى” والمسؤول الأول عن ميليشياتها المذهبية في المنطقة وصولا إلى اليمن حيث لعب دورا في الإشراف على اغتيال الحوثيين للرئيس السابق علي عبدالله صالح أواخر العام 2017. إلى ذلك، مزّق ترامب الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة سلفه باراك أوباما مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” صيف العام 2015، وهو اتفاق جيد وسيئ في الوقت ذاته. جيّد في أنّه محاولة لتأخير حصول إيران على السلاح النووي وسيّئ لأنّه يسمح لها بالحصول على أموال لتمويل ميليشياتها المذهبيّة في المنطقة. ليس معروفا هل سيمارس ترامب مجددا هذه الصفات القيادية أم يتراجع كما تراجع عند قصف أدوات إيرانيّة في المنطقة لمنشآت نفطية في المملكة العربيّة السعوديّة، في بقيق تحديدا، في سبتمبر من العام 2019؟ كلّ ما هو مطلوب في الوقت الحاضر من "حزب الله" الذي يتولى أمره ضباط من "الحرس الثوري" مباشرة كسب بعض الوقت بما يمكّن "الجمهوريّة الإسلاميّة" من ترتيب أمورها في المنطقة يستعد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض فيما تمرّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” بأزمة عميقة في ضوء فشلها في استغلال حرب غزّة عن طريق حروب أخرى شنتها على هامشها عبر لبنان وسوريا والعراق واليمن. ستكون طريقة التعاطي مع إيران وحروبها الامتحان الأوّل لدونالد ترامب وإدارته التي يتوقع أن تباشر نشاطها في النصف الثاني من يناير 2025. كيف سيواجه ترامب إيران التي تحاول حاليا إيجاد خطوط دفاع جديدة عن نظامها خارج حدودها في وقت بات أكيدا أنّها ستخسر “حزب الله” ومعه ورقة لبنان في غضون أشهر قليلة. سيتوجب على “الجمهوريّة الإسلاميّة” إعادة النظر في إستراتيجيتها في ضوء القدرة التي أظهرتها إسرائيل على تفكيك “حزب الله” والبنية التحتيّة لمشروعه الداخلي من جهة وتحويل قرى الشريط الحدودي مع لبنان إلى ما يشبه غزّة المدمرة من جهة أخرى. الثابت أنّ ترامب، في ضوء طبيعة علاقته ببنيامين نتنياهو، لن يكون قادرا على وقف الوحش الإسرائيلي في لبنان ولا حتّى في سوريا، أقلّه في المدى المنظور، أي قبل دخوله البيت الأبيض بعد شهرين وبضعة أيّام. إيران نفسها لا ترغب في وقف الوحش الإسرائيلي، بل هي مستعدة لدفع “حزب الله” إلى ارتكاب المزيد من المغامرات كي لا يبقى حجر على حجر في لبنان. هذا ما ظهر بوضوح من الخطاب الأخير للأمين العام للحزب نعيم قاسم. شدّد قاسم في أربعينية سلفه حسن نصرالله على متابعة الهجمات على إسرائيل بغية السماح لها بتوجيه المزيد من الضربات لمناطق وقرى وبلدات لبنانيّة. مصير لبنان واللبنانيين ليس همًّا إيرانيا. كلّ ما هو مطلوب في الوقت الحاضر من “حزب الله”، الذي يتولى أمره ضباط من “الحرس الثوري” مباشرة، كسب بعض الوقت بما يمكّن “الجمهوريّة الإسلاميّة” من ترتيب أمورها في المنطقة. سيكون على الرئيس الأميركي المنتخب التفكير في كيفية مواجهة المحاولة الإيرانية لإحكام السيطرة على العراق المرشح لأن يتحول إلى خط الدفاع الأول عن نظام الملالي قريبا. ليس مستبعدا امتلاك إدارة الرئيس الأميركي الجديد – القديم فريق العمل القادر على الحؤول دون سقوط العراق نهائيا في الحضن الإيراني. هناك في واشنطن بين المرشحين لتولي مواقع مهمة في الإدارة المقبلة، من يعرف الكثير عن أهمّية العراق، خصوصا في ظلّ حكم حكومة محمّد شياع السوداني و”الحشد الشعبي”. الثابت أنّ ترامب، في ضوء طبيعة علاقته بنتنياهو، لن يكون قادرا على وقف الوحش الإسرائيلي في لبنان ولا حتّى في سوريا، أقلّه في المدى المنظور، أي قبل دخوله البيت الأبيض بعد شهرين وبضعة أيّام سيكون المشهد الشرق أوسطي في غاية التعقيد في الأشهر القليلة المقبلة، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار رغبة الحكومة الإسرائيلية في متابعة حربي غزّة ولبنان والتمدد في اتجاه القواعد الإيرانيّة في سوريا. ليس ما يشير إلى أنّ هموم الإدارة الأميركيّة ستكون محصورة بإيران وبما تنوي إسرائيل عمله. هناك الصين وكيفية التعاطي معها وهناك مشاكل داخلية وعد ترامب بمواجهتها في مقدمها الهجرة. تستطيع مثل هذه القضايا الانتظار قليلا. ما لا يمكن أن ينتظر هو الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. كيف سيتعاطى ترامب مع هذه الحرب التي هي في نهاية المطاف حربا روسية تهدّد كلّ دولة في أوروبا. هل يجبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على التخلي عن أراض أوكرانية محتلة من أجل استرضاء فلاديمير بوتين وإقناعه بوقف حربه على بلد جار مسالم؟ إذا كان الموقف الترامبي من إيران يثير الآمال، فإنّ هذا الموقف من أوكرانيا يثير المخاوف، خصوصا أنّ أوروبا كشفت ضعفها ولم تستطع دعم أوكرانيا بما فيه الكفاية. صمدت أوكرانيا بفضل المساعدات الأميركية، وهي مساعدات متنوعة تراوح بين المال والسلاح المتطور نسبيا. مع مرور الأيام، ستزداد التعقيدات الناجمة عن الحرب الأوكرانيّة تعقيدا، خصوصا في ضوء وصول قوات كورية شمالية إلى روسيا واحتمال انتقال هذه القوات إلى أراض أوكرانيّة محتلّة. ماذا سيفعل ترامب في حال تحول كوريا الشمالية جزءا لا يتجزّأ من الحرب الأوكرانية، وهي حرب ذات طابع أوروبي قبل أي شيء آخر؟ عاجلا أم آجلا، لن يكون دونالد ترامب أمام الامتحان الإيراني فحسب، ستكون أمامه امتحانات أخرى أيضا في مقدّمها الامتحان الأوكراني. سيرسم هذا الامتحان ملامح العلاقة بين أميركا وأوروبا ومستقبل حلف شمال الأطلسي الذي لا يكن العائد إلى البيت الأبيض ودا كبيرا له. من بين الأسئلة التي ستفرض نفسها؛ أي علاقة يريد ترامب مع أوروبا؟ هل تترتب عن أوروبا إعادة النظر في كلّ ما له علاقة بجيوشها وتسليح هذه الجيوش في حال باتت عليها مواجهة روسيا من دون أميركا؟