في عمل بطولي وشجاعة منقطعة النظير، وفي مشهد احتبست معه الأنفاس، وتعالت معه الأصوات، شاهدنا عبر الشاشات مغامرة المواطن الشهم الهُمام عايض بن دغش الأكلبي الذي ضحى بنفسه وماله، وخاض معركة مع السيل الجارف، معركة لا يبتغي من ورائها الشهرة ولا تصوير الفلاشات معركة سابق فيها الزمن من أجل إنقاذ حياة أربعة أشخاص داهمتهم السيول في وادي الجعبة غرب محافظة بيشة على إثر الأمطار التي هطلت على الوادي مؤخرًا؛ حيث اقتحم البطل الأكلبي الوادي بمعدته الثقيلة في موقف بطولي وإنساني في خضم تلك الأمواج الهادرة، فتمكن بفضل الله -عز وجل- ثم ببسالته من الوصول إلى المحتجزين ونقلهم إلى خارج الوادي قبل أن تجرف السيول مركبتهم؛ فنال بذلك أجر إحياء أربعة أرواح مصداقًا لقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (سورة المائدة: الآية ٣٢) وإذا ما قارنا هذا الموقف البطولي لذلك الشهم الأكلبي بتلك المواقف السخيفة؛ وذلك الغثاء اليومي الذي تبثه لنا وسائل التواصل الاجتماعي لمشاهير الفلس الذين ظهروا على السطح فجأة دون أي قاعدة قوية يقفون عليها، فإننا سندرك أن هؤلاء المشاهير الغوغائين قد خدمتهم الظروف، وأن هناك فرقًا بين الثرى والثريا، وأن استمرارهم لن يدوم طويلًا، فكما جاءوا سريعًا، سيرحلون بطريقة أسرع، فالشهرة التي تأتي بلا أساس متين، ولا تُعزز في المجتمع روح التعاون والتكاتف والتضحيات؛ فإنها ستتحول مع مرور الأيام إلى فقاعة صابون وسيكتشف الناس أنه لا يتمتع بأي قيم أو قدرات تؤهله لتبوأ المكان الذي وصل إليه. لأن المشهور الحقيقي هو الذي يضع هم مجتمعه نصب عينيه، فتراه يسهم في مساعدة المحتاجين، ويخصص جزءًا من وقته وجهده وماله للآخرين، ويشارك مجتمعه همه، ويدرك أنه قدوة، يتابعه الكثيرون من الصغار والكبار، وأنه تقع على عاتقه مسؤولية جسيمة تجاه مجتمعه، تجعله يحرص على الظهور بالصورة المشرفة المبنية على مبادئ الدين والقيم والعادات الإيجابية. وختام القول فالشهرة إن جاءت من أجل عمل نبيل ولم يكن الهدف من ورائها المصلحة الشخصية، أو إيذاء الآخرين، فإنها ستنقل صاحبها إلى عالم الأبطال الشرفاء، وليس إلى عالم مشاهير الفلاشات الغرباء، وسيُسجل التاريخ عملهم البطولي بمداد من ذهب وسيدونه في صفحات الأيام عبر العصور، فالمشاهير الحقيقيون هم الذين ينتزعون إعجاب الآخرين، دون تخطيط أو تحضير مسبق، معتمدين في ذلك على شيمهم وقيمهم وقدراتهم ومواهبهم، ونبلهم أيضًا، والشهير الحقيقي هو الذي يعرفه الناس بالخير والإنجاز والنجاح وخدمة الآخرين، وما قدم لأمته من أعمال وخدمات، خصوصًا إذا ما عرفنا أن هناك كثيرين اشتهروا بالإسفاف والسخف، ولم يقدموا ما يخدم وطنهم والقاطنين فيه. وخزة قلم: من ساقته الظروف إلى منصة الشهرة، فعليه أن يدرك المسؤولية المُلقاة على عاتقه، قبل أن يدون التاريخ تفاهته.