- بينما كنت أتحدث مع إحدى الشخصيات الإعلامية لفت انتباهي أن هناك شُحاً في معرفة المادة التاريخية عن المنطقة، وربما بسبب عدم نشر الكثير من الأبحاث العلمية لنتائج الحفريات الأثرية أو الأطروحات من الماجستير والدكتوراه والتي غالبا لا تكون متاحة، فيجهل كثيرون المعلومات التاريخية عن المنطقة، لا سيما من المرشدين السياحيين والإعلاميين. - هذه دعوة الى وزارة السياحة لعمل دورات متخصصة في المادة التاريخية عن المنطقة الشرقية حتى لا يكون لغط عند الأخذ من مصادر غير موثوقة أو متخصصة، وأحببت هنا ذكر أهم المحطات القديمة والمسارات للقوافل ولعلها تخضع للبحث الإضافي من المؤرخين والمهتمين وخاصة أننا نتحدث عن منطقة عمرها الاستيطاني العام متواصل لأكثر من 6000 عام. - طرق القوافل القديمة للتوابل والبخور كانت تمر للتجارة وعبر المنطقة الشرقية من جهتين أما من اليمن أو من عمان وكلاهما طرق برية، وتأتي القوافل المحملة بالمر ونفائس اليمن من مأرب ونجران ثم الى الفاو شمالا ثم إلى يبرين شرقا، وتتخذ منها طريقا شرقاً الي الجنوب من منطقة جبال الأربع بالأحساء، في هذه المنطقة تلتقي القوافل مع تلك المحملة بالبضائع القادمة من عمان. ومنذ المسح الأول للمنطقة الشرقية عثرت هيئة التراث بنواحي منطقة جبال الأربع على الكثير من كسر الفخار والممتد ومنذ العصر العبيدي والى تاريخنا الحاضر، كما عثرت أيضا على العديد من المدافن الركامية العائدة فيما يعتقد الى الفترة الزمنية الدلمونية المؤرخة بالألفية الثالثة قبل الميلاد بالطريق الأقرب الى منطقة جبال الأربع وبعضا من النقوش الثمودية، وجبال الأربع والمدن القريبة منها كالجشة والطرف تعتد تاريخياً من أهم مناطق التقاء القوافل، كذلك يوجد فيها مناطق أثرية تعود للفترة العباسية وربما أقدم بأسباب التقاء طرق القوافل القديمة فيها. - ثم تأخذ القوافل مسارا شماليا والى منطقة جبل بريقا حيث حصن الشقر ونهر المحلم وجواثى التاريخية والتي شهدت معارك الردة وكان يقام فيها أقدم الأسواق المعروفة قبل الإسلام بالمشقر وسوق هجر، ثم تنطلق القوافل إلى مدينة العيون بشمال الأحساء حيث ملتقى آخر من طرق القوافل قادم من الساحل حيث كان يتواجد ميناء قديم فيما يعرف اليوم بقريّة، ويتواجد على طول هذا المسار القديم من الميناء العديد من الشواهد الأثرية والمدافن العائدة الى فترات ما قبل الإسلام، وعثر بالعيون على أقدم الأماكن الأثرية والتي تعود الى الفترة العبيدية والمقدرة بحوالي 6500 إلى 3700 قبل الميلاد وسجل كتراث عالمي باليونسكو، ومن العيون تتجه القوافل الى القطيف حيث تاروت ودارين وعبر سلسلة من الآبار القديمة والتي تمر اليوم بمطار الدمام والبيضاء. - يتجه الطريق شمالا أيضا من العيون عبر وادي المياه والمسمى عند البعض بوادي العجمان وحيث الضبطية التي اكتشف فيها آلاف المدافن الركامية وعدد من المذيلات وكانت ومنذ آلاف السنوات يحيطها بحيرات ومياه وأيضا حيوانات بحرية من عظام متحجرة ومنذ آلاف السنين ومنها يتجه الطريق شمالا والى مدينة ثاج الأثرية العائدة الى الفترة الهلنستية والتي عثر فيها على مدفن لطفلة كسيت بالذهب، والعصر الهلنستي هي الفترة في التاريخ القديم كانت فيها الثقافة اليونانية بالظهور والتي بدأت بعد وفاة الإسكندر المقدوني عام 323 ق.م. ويعتقد أن ميناء مدينة ثاج هو منطقة أثرية اكتشفت بالجبيل عرفت باسم الدفي، الا أن طرق القوافل القديمة من اليمن وعمان كانت برية ويعد هذا الميناء إضافة الى ما كان موجودا في دارين وتاروت، ومن ثاج يتجه شمالا للجنوب من النعيرية الحالية ليمر بعدد من محطات الآبار والتي منها منطقة عتيد.. ومنها تتجه القوافل الى بلاد الرافدين ومدينة البصرة. - ان دراسة وتحديد مسارات القوافل القديمة بدقة، مهمة من الجانب المعرفي والتاريخي لأن من خلالها يمكن التنبؤ بمواقع المدن القديمة المندثرة، كذلك هي تروي قصة من تاريخنا وتراثنا ملهمة للإرشاد السياحي والإعلاميين والمؤرخين.