@DrAlghamdiMH مدينة القنفذة عاصمة محافظة القنفذة وميناؤها، من أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة، لها (10) مراكز) بمساحة تصل إلى (7000) كم مربع. كادت يوما تصبح إحدى محافظات منطقة الباحة، بعد صدور الموافقة بضمها منذ سنين قريبة مضت. أرضها سهول مفتوحة، بغطاء نباتي محدود. لها مرتفعات جبلية قريبة من جبال السراة، ومياه بحر معطاء. تتعرض صيفا للعواصف الترابية كبقية سهول تهامة. زرت كورنيش مدينة القنفذة المميز، طولا وتصميما، على مستوى المملكة. وقفت متأملا أمواج مياه البحر الأحمر. ترتطم بصخور الكورنيش النارية، وصخور حمم البراكين المتصلبة. تتفتت وتعود خائبة، كأعداء الوطن حفظه الله. تخيلت تاريخ نشاط هذا الميناء وأهميته، والأمم التي مرت عليه. لم أشاهد أي ذاكرة للمكان توضح وهج تاريخ كان. ربما لقصور من شخصي. غياب الاهتمام بمعالم التاريخ يثير التساؤلات دوما في كل مكان. تناولت الغذاء في أحد مطاعم الأكلات البحرية، ثم توجهت -عمدا- إلى سبت الجارة (أحد مراكز محافظة القنفذة)، عبر طريق حديث في اتجاه واحد، يعتلي عرض السهول (تسمى الخبت)، متجها نجو جبال السراة. طريق مرسوم على سطح رملي مفتوح، ذكّرني بطريق الأحساء - الدمام. بلغ ما قضيت عليه من حياتي، مجموع ساعات (360) يوما بلياليها. وثقت ذلك في كتابي: (الأحساء ذاكرة التعايش). واصلت عبر تعرجات وادي قنونه الشهير، بطول يزيد على (100) كم. رجعت لقريتي عصرا عبر (عقبة الأبناء) في محافظة بلجرشي. بعد الوصول، تساءلت: هل أنا بخير؟ طرق سلكتها عبر سهول تهامة، لأسباب تطلبها مهمتي. ذهبت إليها من الشمال عبر (عقبة الباحة). رجعت عبر (عقبة الأبناء) جنوبا. قطعت أكثر من (250) كم في سهول تهامة. و(50) كم في جزء من جبال الباحة. هي مسافة خروجي وعودتي إلى قريتي الجبلية على ارتفاع يزيد على (2000) متر عن سطح هذه السهول التهامية العظيمة، المحصورة بين جبال الحجاز والسراة شرقا، والبحر الأحمر غربا، بعرض يصل إلى (50) كم ويمتد طولا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه. لأول وهلة منذ عام (1971) أقضي أيام العيد في قريتي. كتبت لكم عن هذا. الأمر الذي حيرني بعد كل هذا الغياب، هو التحول (المرعب) في الطقس بعد العيد. كان جديدا غير الذي ألفت. جاء غبار يغطي المنطقة يوميا، وبشكل كثيف مثير لتساؤلاتي. يظهر نهارا، وتقل حدته ليلا. اسم هذا النوع من الغبار (علميا): (الغبار العالق). هو الأخطر على الإنسان والبيئة، وجميع الكائنات الحية. سمعت شائعة بأن مصدره الصحراء الكبرى في أفريقيا. حيث يعبر السودان والبحر الأحمر، ثم سهول تهامة، إلى أن يصل لجبال الحجاز والسروات، فيهل بعوالقه على سطح بيئتها، وفي جوف صدور أهلها. واجهت استحالة قبول هذا التفسير، بسبب كثافته العالية. ثم ثارت تساؤلات الباحث العلمي في ذهني. رأيت أن الزيارات الميدانية لصيد الملاحظات أثناء نشاطه، جزء من مهمة الباحث. تقول العرب: ليس من رأى كمن سمع. رحلتي جاءت للبحث عن سبب منطقي، مقبول لشخصي عن أسباب هذا (الغبار العالق) الكثيف جدا؟ وأيضًا عن مصدره المباشر؟ وكيف يتكون؟ ولماذا يأتي يوميا؟ ولماذا يخف ليلا ويتعاظم نهارا؟ ما سر كثافته الاستثنائية؟ هذا النوع من الغبار يسميه أهالي منطقة الباحة باسم: (الغبري). وعلميا يسمى: (الغبار العالق). أجد نفسي ميّالا للتسمية المحلية، لأنها مؤشر اجتماعي، ثقافي، تراثي، عالي الدقة في وصف الحالة الغبارية هذه. وجدته لفظا أدق في المعنى، وتشخيص الحالة. جاءت التسمية المحلية لتميز بين أنواع الغبار. يعرفون الغبار، ثم وجدوا أنه صنف لا يشبه الغبار الذي يعرفون. كنتيجة أعطوه هذا الاسم: (الغبري - ALGHUPRI). الأدق وصفا والأفضل علميا. ويستمر الحديث بعنوان آخر..