من المتناقضات، أو المضحكات المبكيات، أننا في أوج اهتمامنا ببناء السياحة الخارجية لم نستطع الإيفاء بأبسط مقومات السياحة الداخلية !! وإليكم الدليل الواقعي المبني على الحقائق، في بداية ذي الحجة لهذا العام ١٤٤٤ هجرية، توفي في محافظة النماص أحد الأصدقاء الأقارب رحمة الله عليه وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وكان أبناؤه في مدينة تبوك حيث إقامتهم جميعًا، ولكي يحضروا دفن وعزاء والدهم في محافظة النماص، بدأوا الاتصالات بجميع شركات الطيران الممكنة سواءً الخطوط السعودية أو غيرها، فوجد بعضهم مقعده عن طريق جدة ثم إلى أبها، والبعض الآخر لم يتمكن من رحلات جدة، فحجز عن طريق الرياض ومن ثم إلى أبها، وبالطبع التوقف في مطاري جدة والرياض يستغرق بضع ساعات، قبل مواصلة الرحلة إلى وجهتها الأخيرة في مدينة أبها حسب جدول الرحلات المبرمجة رسميًا .. الكارثة الكبرى أن أحد الأبناء لم يوفق في الحصول على مقعد لا إلى جدة ولا إلى الرياض، فاضطر البحث عن رحلة دولية، نعم رحلة دولية، فوجد الخطوط المصرية تأخذه إلى خارج الوطن من تبوك إلى القاهرة، ومن ثم تعود به إلى أبها !! أليس ذلك من المُضحكات المبكيات، أليس ذلك من عجائب القصص ونوادر الأحداث، أليس ذلك مما يعاكس جودة الحياة، ومن مصاعب التنقل والسفر التي يتكبدها أهالي تبوك عندما يريدون السفر إلى مدينة أبها؟! وللمعلومية، حسب ما قال ذلك الابن المسافر دوليًا، فإن رحلته (الهجين) الداخلية الدولية، قد كلفته وقتًا أوفر وأجرًا أقل للانتقال من تبوك إلى أبها عبر القاهرة !!! أين هيئة الطيران المدني عن هذه القصة ومثيلاتها، فبعض سكان القريات أيضًا يتكبد نفس المعاناة عندما يريد السفر من مدينته إلى مدينة أبها، حيث يتم ذلك دوليًا عن طريق الأردن ثم العودة إلى أبها !! هل يحدث هذا الخلل التنظيمي لشبكة الطيران في بلد غير السعودية ؟؟ لا أظن ذلك مطلقًا، فلم أسمع أو أقرأ أن مسافرًا داخليًا اضطر للسفر خارجيًا، كي يصل إلى إحدى المدن الداخلية لبلده إلا عندنا في السعودية، مع الأسف !! وبالتأكيد، ليس ذلك بسبب قلة الإمكانيات، ولا بسبب انخفاض الطلب لحركة الطيران بين المدن السعودية، فلدينا أكثر من ناقل وطني سعودي وعدد من شركات الطيران الخاص، وأعداد المسافرين بين المدن السعودية يتزايد باستمرار، لدواعي الأعمال والسياحة والزيارات ومختلف نواحي الحياة، ومع ذلك مازالت بعض المدن السعودية تُعاني من عدم الربط المباشر برحلات مباشرة إلى بقية المدن الأخرى، كما هو الحال في تبوك والقريات وغيرها من مدن أطراف الوطن، التي هي بحاجة ماسة إلى الالتفات لها من قبل هيئة الطيران المدني لحل هذه الإشكالية، خصوصًا في ظل كثرة الطلبات المتزايدة، لتأمين حاجة المسافرين من الرحلات الكافية، والتي تصب في نهاية المطاف إلى دعم الرافد الاقتصادي للاقتصاد السعودي بصفة عامة، أتمنى أن تتحقق أمنيات الأهالي في تلك المدن الطرفية، من خلال الاستثمار في أكبر عدد ممكن من رحلات الطيران، لتغطية رغبات المسافرين وحركة السفر الداخلي، بشكل كامل وفعال بين جميع المدن السعودية.