لم يكن وكيل وزارة عاديًا فقد كان وكيل وزارة بصلاحيات وزير ثم وزيرًا بمواصفات رجل دولة؛ ذلك هو ناصر بن محمد السلوم وزير المواصلات الأسبق الذي غيبه الموت يوم الجمعة ٥/١٢/١٤٤٤هـ، كان رحمه الله أحد أبناء الوطن المخلصين والذي وضع بصمته في كل جزء من الوطن الغالي. أجزم متأكدًا أن المرحوم بإذن الله هو أكثر من يعرف جغرافيا الوطن شمالًا وجنوبًا وغربًا وشرقًا جبالًا وسهولًا وصحاري. كان رحمه الله قريبًا جدًا من العاملين في وزارة المواصلات والمقاولين والاستشاريين والمواطنين، ولن أنسى بعد أن ترك وزارة المواصلات اتصال الكثير من الأعيان والوجهاء يقدمون لمعاليه الدعوة لزيارتهم في قراهم وهجرهم وهذا دليل على محبة الناس له. اهتم ببناء جيل من المهندسين في الوزارة وكذلك دعم المقاولين السعوديين لتولي تنفيذ مشاريع الوزارة حتى أصبح معظم بل قد يكون جميع مشاريع الطرق تُنفذ من قبل مقاولين سعوديين. عرفت معاليه عندما كان وكيلًا لوزارة المواصلات حين عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية بعد تخرجي في أثناء البحث عن وظيفة، فقابلته في مكتبه وجعلني أشعر بأن لا عمل لديه من إسهابه في الحديث عن الوزارة ومشاريعها والميزات التي يتمتع بها مهندسو الوزارة لإقناعي بالانضمام لفريق عمل الوزارة. وقد غادرت مكتبه وانقطعت لمدة شهرين كنت خلالها أتنقل بين الوزارات والمصالح الحكومية لمعرفة الأنسب لتوجهي وتخصصي ومنها وزارة الشؤون البلدية وقد زرت وكلاء وزارة البلديات في ذلك الوقت وكنت قريبًا من الالتحاق بالعمل فيها وذهبت لديوان الخدمة المدنية واتجهت لمكتب نائب رئيس الديوان الأستاذ الفاضل/ عثمان الأحمد الذي لم أكن أعرفه ولكنه قابلني ببشاشة وسعة صدر وكنا نتحدث عندما رن هاتف مكتبه وسمعته أثناء الحديث مع الطرف الآخر وهو يقول هو عندي الآن، وبعد أن أنهى المكالمة قال لي هذا الدكتور ناصر السلوم يستقطب المهندسين للوزارة وقد طلب مني أن أوجه المهندس (مفرح الساهر) لوزارة المواصلات ولم يكن يعلم بوجودك في مكتبي وكان ذلك الاتصال محفزًا لي لطلب الانضمام لفريق وزارة المواصلات رغم أنني لم أعرفه من قبل سوى ذلك اللقاء قبل شهرين، عندها استشرت الأستاذ عثمان الأحمد فقال إن كنت جادًا وترغب بالعمل مع رجل يقدر العاملين معه فالدكتور ناصر هو ذلك الشخص. في عام 1420هـ اجتاحت السيول عقبة ضلع وجرفت الطريق وبعض الجسور والعبارات، قام رحمه الله بالاتصال بالدكتور محمد آل الشيخ وزير البلديات الأسبق وكان في ذلك الوقت عميدًا لكلية الهندسة بجامعة الملك سعود واقترح عليه أن ترتب الوزارة رحلة ميدانية لطلبة كلية الهندسة لزيارة عقبة ضلع والاطلاع على آثار السيول ليكون ذلك بمثابة تدريب ميداني للمهندسين؛ وبالفعل قامت الوزارة بتهيئة طائرة لنقل الطلاب وبعض دكاترة الكلية وكانت تجربة ثرية للطلبة إلا أنها كانت خير وسيلة لاستقطاب المهندسين المتوقع تخرجهم في الكلية. تبنى رحمه الله فكرة إقامة مؤتمرات هندسية لمنسوبي الوزارة في المناطق تعقد كل عام في منطقة من مناطق المملكة وكانت فكرة جميلة لتبادل التجارب والتعارف وهي أحد الأسباب في أن أصبحت الوزارة كأسرة واحدة مما ساعد في سرعة الإنجاز. لقد أسعفني الحظ أن أكون قريبًا منه فرافقته في جولاته في الشمال والرياض وعسير والباحة وجيزان والمدينة المنورة ومكة المكرمة بجميع محافظاتها وفي موسم الحج وخارج المملكة في العديد من المؤتمرات، فتعلمت منه الصبر وحب العمل. أما الجوانب الإنسانية والاجتماعية فهي أكثر من أن تختصر في مقال وأستذكر أحدها بعد أن غادر الوزارة وتولى هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، اتصل بي في أحد الأيام وأبلغني أنه مدعو لمناسبة زواج في مدينة رنية، وطلبت من معاليه أن يسمح لي بعمل التجهيزات اللازمة للسفر والإقامة فوافق رحمه الله. وفي اليوم المحدد اتجهنا برفقته من مدينة جدة حوالي الساعة السابعة صباحًا نظرًا للمسافة الطويلة التي تفصل رنية عن جدة والتي تزيد على ١٠٠٠ كم ذهابًا وإيابًا وكان الجو في ذلك اليوم شديد الغبار مما أطال مدة السفر فوصلنا رنية قُبيل أذان المغرب وهناك عرفت أن العريس هو أحد مهندسي الهيئة الشباب الذي وجه له الدعوة فقبلها رغم علمه ببعد المسافة. وبعد تناول طعام العشاء اقترح أن نعود إلى جدة تلك الليلة وكنت أنا من يقود المركبة ذهابًا وإيابًا وأستمع له وأستزيد من تجاربه رحمه الله. هذا هو جانب من الجوانب الإنسانية في شخصية ناصر السلوم رحمه الله، أما المواقف التي لا تزال في ذاكرتي من الجولات الميدانية فهي كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ليس أقلها أن تغرز السيارة في الرمال في الغالة شمال الليث الساعة الثانية ظهرًا أحد أيام شهر رمضان المبارك أو سقوط السيارة في وادي رابغ وتم إخراجها بالاستعانة ببلدوزر من مقاول المشروع. ناهيك عن الليالي التي كان يسهرها في موسم الحج يتنقل بين مخيمات الحجاج لضمان نجاح النقل الترددي الذي تبناه معاليه حتى أصبح واحدًا من أنجح وسائل النقل في الحج. رحمك الله يا أبا محمد، وإنا لفراقك لمحزونون.