في زيارة خاطفة لمحافظة بحرة قمت بها الأسبوع الماضي لحضور إحدى المناسبات الثقافية وبعد انقطاع عنها لأكثر من عشرين عاماً هالني وأنا أتنقل بين أحيائها وشوارعها ما شاهدته من أحوالها وأنها مازالت على عهدي بها أو أسوأ من ذلك بكثير، وكأن الزمن قد توقف عندها ولم يبرحها ويمر بها قطار التحديث والتطوير رغم ما نالها ومنذ العهد السعودي الزاهر من رعاية واهتمام وتحويلها من بلدة صغيرة وبيوت من الخشب والطين وشعر الماشية إلى منطقة تزخر بكل مقومات الحياة العصرية وتوفير مختلف الخدمات الأساسية بها من خدمات صحية وتعليمية وأمنية وبنوك وإنارة وسفلتة للشوارع وخدمة الاتصالات الهاتفية وانتشار المباني الحديثة والمحلات التجارية والمنشآت الحكومية المتعددة والتي أهلتها لأن تعج بالحياة والاستيطان وبمختلف الشرائح من أبناء البلاد أو المقيمين الأجانب. ومحافظة بحرة أو القرين أو (مشطقة الجمالة) كما كان يطلق عليها قديماً تعتبر وادياً من أودية وادي فاطمة، وهي محطة واستراحة قديمة وجسر عبور لقوافل الحجيج في رحلتهم إلى أقدس البقاع مكة المكرمة، وهي كذلك أيضاً محطة لهم خلال عودتهم ومغادرتهم أرض البلاد عن طريق ميناء جدة البحري، وتتشابه في الاسم مع بحرة الرغاء بمنطقة ليه بالطائف. ومحافظة بحرة تتربع على مساحة تقدر بـ(4756) كليلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها مايقارب الـ (100) ألف نسمة، وتقع في منتصف المسافة بين مكة وجدة وتمتاز بموقعها الإستراتيجي الهام ويحدها من الشمال المحرق ووادي كتانه، ومن الجنوب الحافظة والعد ورهناء، ومن الشرق الزلال والشميسي، ومن الغرب حي نجد ومصنع الطوب الأحمر، وإدارياً تنقسم بحرة إلى أربعة أقسام رئيسية وهي بحرة المجاهدين، وبحرة القديمة، وحداء، والشميسي، وسكنها عدد من القبائل منذ القدم وكانوا يعملون بالزراعة لتوفر مياه الأمطار كونها تعتبر ملتقى تجمع السيول حسب قة، وتنتج العديد من أنواع الخضروات والفواكه والقمح والبرسيم والأعلاف والنخيل والحناء وتتواجد بها أشجار النبق واللوز الهندي واشتغل أهلها ومنذ القدم بالصناعات الفخارية اليدوية والتجارة إلى جانب حرفة رعي المواشي. وجاء ذكر بحرة في الكثير من كتب الرحلات الحجازية والحج كرحلة ابن جبير، وكتاب مرآة الحرمين للواء إبراهيم رفعت وغيرها، وبها العديد من الآثار التاريخية والقديمة مثل قلعة بحرة التي وصفها صاحب مرآة الحرمين في رحلته للحج عام 1318هـ ، وبها مسجد قديم من العهد العثماني وعدد من أسبلة المياه التي تعود أيضاً في تاريخها إلى العهد العثماني وأوائل عهد الملك عبدالعزيزعلى الطريق بين مكة وجدة وهي سبيل أم القرون، وسبيل حداء، وسبيل بئر المقتلة، وأسبلة حي الروضة وما تحمله هذه الأسبلة من نقوش كتابية تاريخية. وفي بحرة وقع الملك عبدالعزيز رحمه الله في شهر ربيع الأول 1344هـ - نوفمبر 1925م اتفاقية بحرة حول العلاقات بين نجد والعراق، كما وقع اتفاقية حده حول الحدود بين نجد وشرق الأردن، وبها أقام الملك عبدالعزيز غفر الله له أول معسكر للحرس الوطني بعد توحيد المملكة العربية السعودية عرف بلواء الفوج الأول قطاع المجاهدين وكان يرأسه نايف بن عبدالعزيز بن عبود، وبها أقدم مستشفى بالمملكة لمعالجة المجذومين الذي تحول فيما بعد إلى مستشفى ابن سينا، وبها تأسس أول مستشفى للأمراض الصدرية الذي تم نقله فيما بعد إلى مدينة الطائف، وبها أيضاً قصر خشان كأحد المباني القديمة الشاهدة على ما شملها من عمران حديث. ورغم كل ما تقدم وما تتمتع به بحرة من موقع إستراتيجي وآثار تاريخية وكونها تمثل منجماً استثمارياً كبيراً لقربها الشديد من محافظة جدة واتصالها بها إلا أن عمليات التطوير فيها وكما أشرت تسير بخطى وئيدة رغم كل ما يبذله محافظها الحالي الأستاذ رجاء السلمي من جهود حثيثة ومتواصلة لإظهار هذه المحافظة بالوجه اللائق بها وبتاريخها العريق ولذلك فهي بحاجة ماسة إلى المسارعة في إعادة تخطيطها تخطيطاً شاملاً لكونها تمثل نقطة عبور للبلد الحرام وتعكس مدى نهضة وتقدم البلاد ولتلحق بقطار التنمية والتطوير وتكون إحدى ثمار الرؤية المباركة والطموحة للمملكة 2030 التي تستهدف الإنسان والمكان وتحسين جودة الحياة.